ومنه قوله تعالى (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١] ؛ وأنشد العجاج : [الرجز]
٤٨٩٢ ـ وحى لها القرار فاستقرّت (١)
وقرأ زيد (٢) بن علي والكسائي في رواية وابن أبي عبلة أيضا : «أحي» بهمزة مضمومة لا واو بعدها ، وخرجت على أن الهمزة بدل من الواو المضمومة ، نحو «أعد» في «وعد» فهذا فرع قراءة «وحى» ثلاثيا.
قال الزمخشريّ : وهو من القلب المطلق جوابا في كل واو مضمومة ، وقد أطلقه المازنيّ في المكسورة أيضا : ك «إشاح ، وإسادة» ، و «إعاأ (أَخِيهِ») [يوسف : ٧٦].
قال أبو حيّان (٣) : وليس كما ذكر بل في ذلك تفصيل ، وذلك أن الواو المضمومة قد تكون أولا ، وحشوا ، وآخرا ، ولكل منها أحكام ، وفي بعض ذلك خلاف ، وتفصيل مذكور في كتب النحو. وتقدم الكلام في ذلك مشبعا في أول الكتاب.
ثم قال أبو حيّان بعد ما تقدم عن المازنيّ : وهذا تكثير وتبجح.
قوله : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) ، هذا هو القائم مقام الفاعل لأنّه هو المفعول الصريح ، وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائم مقامه الجار ، والمجرور ، فيكون هذا باقيا على نصبه ، والتقدير : أوحي إليّ استماع نفر (مِنَ الْجِنِّ) صفة ل «نفر».
فصل في تفسير الآية
قال ابن عباس وغيره : قل يا محمد لأمتّك أوحي إليّ على لسان جبريل ، أنّه استمع نفر من الجنّ ، والنّفر : الجماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، واختلفوا ، هل رآهم النبي صلىاللهعليهوسلم أم لا؟.
فظاهر القرآن يدل على أنّه لم يرهم لقوله تعالى : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) ، وقوله : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩].
وفي صحيح مسلم ، والترمذي عن ابن عباس قال : انطلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشيطان ، وبين خبر السماء ، وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا : ما لكم؟.
فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب قالوا : ما ذلك إلا من شيء حدث ، فاضربوا في مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ النفر الذين أخذوا نحو «تهامة» وهو وأصحابه بنخلة قاصدين إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه الفجر فلمّا سمعوا
__________________
(١) ينظر : ديوانه (٥) ، والمحتسب ٢ / ٣٣١ ، واللسان (وحى) ، إعراب القرآن ٥ / ٤٥ ، مجمع البيان ١٠ / ٥٥٢.
(٢) ينظر المحرر الوجيز ٥ / ٣٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٤٠ ، والدر المصون ٦ / ٣٨٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٤٦.