قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً).
الكلام في (أَنْ لَنْ) كالكلام في الأول ، و «أن» وما في خبرها ، سادة مسدّ مفعولي الظن والمسألة من باب الإعمال ، لأن «ظنّوا» يطلب مفعولين ، و «ظننتم» كذلك ، وهو من إعمال الثاني للحذف من الأول.
والضمير في (أَنَّهُمْ ظَنُّوا) للإنس ، وفي «ظننتم» ، للجن ، ويجوز العكس.
فصل في الخطاب في الآية
هذا من قول الله تعالى للإنس ، أي : وإن الجن ظنوا أن لن يبعث الله الخلق كما ظننتم.
قال الكلبيّ : ظنت الجنّ كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولا من خلقه يقيم به الحجة عليهم وكل هذا توكيد للحجة على قريش ، أي : إذا آمن هؤلاء الجن بمحمد صلىاللهعليهوسلم فأنتم أحق بذلك (١).
قوله : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ). هذا من قول الجنّ ، أي : طلبنا خبرها كما جرت عادتنا (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) ، أي ملئت حفظا يعني : الملائكة.
فاللّمس : المس ، فاستعير للطلب ، لأن الماس متقرب ، يقال : لمسه والتمسه ونحوه الجس يقال : جسوه بأعينهم وتجسسوه.
والمعنى : طلبنا بلوغ السّماء واستماع كلام أهلها.
قوله : (فَوَجَدْناها) ، فيها وجهان :
أظهرهما : أنها متعدية لواحد ؛ لأن معناها : أصبنا وصادفنا ، وعلى هذا فالجملة من قوله «ملئت» في موضع نصب على الحال على إضمار «قد».
والثاني أنها متعدية لاثنين ، فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني.
و «حرسا» نصب على التمييز نحو «امتلأ الإناء ماء».
والحرس : اسم جمع ل «حارس» نحو «خدم» ل «خادم» و «غيب» لغائب ، ويجمع تكسيرا على «أحراس» ؛ كقول امرىء القيس : [الطويل]
٤٨٩٦ ـ تجاوزت أحراسا وأهوال معشر |
|
حراص عليّ لو يسرّون مقتلي (٢) |
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٦٥) عن الكلبي.
وذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٩).
(٢) ينظر ديوانه ص (١٣) ، وجمهرة اللغة ص ٧٣٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٥١ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٦٥ ، ووصف المباني ص ٢٩٢ ، والدر المصون ٦ / ٣٩٢.