والقول الأول : اختيار الزجاج ، قال : لأنّه تعالى ذكر الطريقة معرفة بالألف واللام فيرجع إلى الطريقة المعروفة ، وهي طريقة الهدى.
ومعنى : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي : لنختبرهم هل يقومون بشكرها أم لا ، وإن قلنا : إنّ الضمير يعود على الإنس فالاحتمالان كما هما.
قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) ، دليل على أنه تبارك وتعالى يضل عباده. وأجاب المعتزلة ، بأنّ الفتنة هي الاختبار ، كما يقال : فتنت الذهب بالنار لا خلق الضلالة.
واستدلت المعتزلة بقوله تعالى (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) على أنه تعالى إنما يفعل لغرض.
وأجيبوا : بأن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلّت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله تبارك وتعالى.
فصل في التحذير من الدنيا
روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدّنيا» قالوا : وما زهرة الدّنيا؟.
قال : «بركات الأرض» (١). وذكر الحديث.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «فو الله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنّما أخشى عليكم أن يبسط الله عليكم الدّنيا فتنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم ، فيهلككم كما أهلكهم» (٢).
قوله : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) ، أي : عن عبادته ، أو عن موعظته ، أو عن وحيه.
وقال ابن زيد : يعني القرآن (٣) ، وفي إعراضه وجهان :
الأول : عن القبول إن قيل إنها في الكفار والثاني عن العمل ، إن قيل إنّها في أهل الإيمان.
وقيل : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) ، أي : لم يشكره.
قوله : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً).
قرأ الكوفيون (٤) : «يسلكه» ـ بياء الغيبة ـ لإعادة الضمير على الله تعالى ، وباقي السبعة : بنون العظمة على الالتفات.
وهذا كما تقدم في قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ، ثم قال : (بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [الإسراء : ١].
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٧٢٨) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (٢ / ٥٣٩).
(٣) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١١٨) والقرطبي (١٩ / ٢١٤).
(٤) ينظر : السبعة ٦٥٦ ، والحجة ٦ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٠١ ، وحجة القراءات ٧٢٩.