وعن ابن عباس : إن المعنى مشقّة من العذاب (١) ، لأن الصعد في اللغة هو المشقة ، تقول: تصعدني الأمر إذا شقّ عليك ، ومنه قول عمر المتقدم ، والمشي في الصعود يشق ، وصعود العقبة الكئود.
وقال عكرمة : هي صخرة في جهنم ملساء يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم.
وقال : يكلّف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء يجذب من أمامه بسلاسل ، ويضرب من خلفه بمقامع ، حتّى يبلغ أعلاها ولا يبلغ في أربعين سنة فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف صعودها ، فذلك دأبه أبدا ، وهو قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١٧].
قوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ). قد تقدم أن السبعة أجمعت على الفتح ، بتقدير : وأوحي إليّ أن المساجد لله.
وقال الخليل : أي ولأن المساجد ، فحذف الجارّ ، ويتعلق بقوله (فَلا تَدْعُوا).
وجعلوه كقوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١] فإنه متعلق بقوله : (فَلْيَعْبُدُوا) كقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) [الأنبياء : ٩٢].
وقرأ طلحة (٢) وابن هرمز : «وإنّ المساجد» ـ بالكسر .. ، وهو يحتمل الاستئناف والتعليل ، فيكون في المعنى كتقدير الخليل.
فصل في المراد ب «المساجد»
المساجد : قيل هي جمع «مسجد» ـ بالكسر ـ وهو موضع السجود ، وقد تقدم أن قياسه الفتح.
وقيل : هو «مسجد» ـ بالفتح ـ مرادا بها الأعضاء الواردة في الحديث : «الجبهة والأنف والركبتان واليدان والقدمان» ، وهو قول سعيد بن المسيب.
والمعنى : إن هذه الأعضاء أنعم الله بها عليكم فلا تسجد لغيره فتجحد نعمة الله ، وقال عطاء : مساجدك أعضاؤك التي أمرت بالسجود عليها لا تذللها لغير خالقها.
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» وذكر الحديث ، وقال عليه الصلاة والسلام : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة أعضاء» (٣) وقيل : بل جمع مسجد ، وهو مصدر بمعنى السجود ، ويكون الجمع لاختلاف الأنواع.
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٤٥ ، والدر المصون ٦ / ٣٩٦.
(٣) أخرجه البخاري (٢ / ٢٩٧) كتاب الأذان ، باب : السجود على الأنف حديث (٨١٢) ومسلم (١ / ٣٥٤) كتاب الصلاة ، باب : أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر (٢٣٠ / ٤٩٠) من حديث ابن عباس.