قال القرطبي (١) : «وهذا حديث صحيح».
فصل في نسبة المساجد إلى غير الله
فإن قيل : المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنّها قد تنسب إلى غيره تعالى تعريفا كما قيل في الحديث : «سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق».
ويقال : مسجد فلان ، لأنه حبسه ، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر ، وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
فصل في معنى الآية
معنى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) لا يذكر فيها إلا الله تعالى فإنّه يجوز قسمة الأموال فيها ، ويجوز وضع الصدقات فيها ، على رسم الاشتراك بين المساكين ، والأكل فيها ، ويجوز حبس الغريم فيها والنوم ، وسكن المريض فيه ، وفتح الباب للجار إليها وإنشاد الشعر فيه إذا عري عن الباطل.
قوله : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً). وهذا توبيخ للمشركين ، في دعواهم مع الله غيره في المسجد الحرام.
وقال مجاهد : كانت اليهود ، والنصارى إذا دخلوا كنائسهم ، وبيعهم أشركوا بالله تعالى ، فأمر الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة الحق إذا دخلوا المساجد كلها ، فلا تشركوا فيها صنما وغيره مما يعبد (٢).
وقيل : المعنى أفردوا المساجد لذكر الله ، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا ، وفي الحديث : «من نشد ضالّة في المسجد فقولوا : لا ردّها الله عليك ، فإنّ المساجد لم تبن لهذا».
وقال الحسن : من السنة إذا دخل رجل المسجد أن يقول : لا إله إلا الله ، لأن قوله تعالى (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) في ضمنه أمر بذكر الله ودعائه.
وروى الضحاك عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى وقال : «وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، اللهمّ إني عبدك وزائرك وعلى كلّ مزور حقّ لزائره ، وأنت خير مزور ، فأسألك برحمتك أن تفكّ رقبتي من النّار» فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال : «الّلهمّ صبّ عليّ الخير صبا
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٥.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٥) عن مجاهد.