نبي الله ، إني قتلت فلانا ففرح النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فقال عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف: يا صهيب ، أما أخبرت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنك قتلت فلانا ، فإن فلانا انتحل قتله ، فأخبره ، فقال: أكذلك يا أبا يحيى؟ قال : نعم ، والله يا رسول الله ، فنزلت الآية في المنتحل (١).
وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين ، كانوا يقولون «للنبي» صلىاللهعليهوسلم وأصحابه : إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم ، وقاتلنا ، فلما خرجوا نكثوا عنهم وتخلفوا (٢).
فصل
قال القرطبي (٣) : «هذه الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملا فيه طاعة أن يفي بها».
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى : أنه بعث قراء إلى أهل «البصرة» ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل ، قد قرأوا القرآن ، فقال أنتم خيار أهل «البصرة» وقراؤهم ، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد ، فتقسو قلوبكم ، كما قست قلوب من قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة تشبهها في الطول والشدة ب «براءة» ، فأنسيتها غير أني قد حفظت منها «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التّراب» ، وكنّا نقرأ سورة تشبهها بإحدى المسبّحات ، فأنسيتها غير أنّي قد حفظت منها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ، فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسئلون عنها يوم القيامة» (٤).
قال ابن العربي (٥) : وهذا كله ثابت في الدين ، أما قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فثابت في الدين لفظا ومعنى في هذه السورة ، وأما قوله : شهادة في أعناقكم عنها يوم القيامة ، فمعنى ثابت في الدين ، فإن من التزم شيئا لزمه شرعا ، والملتزم على قسمين :
[أحدهما : النذر ، وهو](٦) على قسمين :
نذر تقرب مبتدأ ، كقوله : لله عليّ صلاة أو صوم أو صدقة ، ونحوه من القرب ، فهذا يلزم الوفاء به إجماعا.
ونذر مباح ، وهو ما علق به شرط رغبة ، كقوله : إن قدم غائبي فعلي صدقة ، أو علق بشرط رهبة ، كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعليّ صدقة ، ففيه خلاف : فقال مالك وأبو حنيفة: يلزم الوفاء به.
__________________
(١) ذكره القرطبي (١٨ / ٥٢).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٣٧) والقرطبي (١٨ / ٥٢).
(٣) ينظر الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٥٢.
(٤) أخرجه مسلم في «صحيحه» (٢ / ٧٢٥) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٥) انظر أحكام القرآن ٤ / ١٧٩٩.
(٦) سقط من أ.