الضمير في «منه» و «عليه» عائد على الأقل من النصف ،](١) وإليه ذهب الزمخشريّ ، فإنه قال : «وإن شئت قلت : لما كان معنى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) إذا أبدلت النصف من الليل يكون المعنى : قم أقل من نصف الليل ، فيرجع الضمير في «منه» و «عليه» ، إلى الأقل من النصف ، فكأنه قيل : قم أقل من نصف الليل ، أو قم أنقص من ذلك الأقل ، أو أزيد منه قليلا ، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث».
الرابع : أن يكون «نصفه» بدلا من «قليلا» كما تقدم ؛ إلا أنك تجعل القليل الثاني ربع الليل ، وقد أوضح الزمخشري هذا أيضا ، فقال : «ويجوز إذا أبدلت «نصفه» من «قليلا» وفسرته به أن تجعل «قليلا» الثاني بمعنى نصف النصف بمعنى الربع ، كأنه قيل : أو انقص منه قليلا نصفه ، وتجعل المزيد على هذا القليل أعني الربع نصف الربع ، كأنه قيل : أو زد عليه قليلا نصفه ، ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث ، فيكون تخييرا بين النصف ، والثلث ، والربع» انتهى.
واختار ابن الخطيب هذا الوجه مع الوجه الثاني ، فقال (٢) : وقد أكثر الناس في هذه الآية ، وفيها وجهان ملخصان :
أحدهما : أن القليل في قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) ، هو الثلث ، لأن قوله تعالى في آخر السورة: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ) ، يقتضي أن أكثر المقادير الواجبة هو الثلثان ، فيكون قيام الثلث جائزا ، وهو قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) فكأنه قيل : قم ثلثي الليل ، ثم قال : «نصفه» فمعناه : أو قم نصفه ، من باب قولهم : «جالس الحسن ، أو ابن سيرين» على الإباحة ، فحذف العاطف ، فالتقدير : قم الثلثين ، أو قم النصف ، أو انقص من النصف ، أو زد عليه ، فعلى هذا يكون الثلثان أقصى الزيادة ، والثلث أقصى النقصان ، فيكون الواجب هو الثلث ، والزائد عليه مندوبا ، فإن قيل : فيلزم على قراءة الخفض في «نصفه» و «ثلثه» أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم ترك من الواجب الأدنى ، لأنه تعالى قال : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) فيكون المعنى أنك تقوم أقل من الثلثين ، وأقل من النصف وأقل من الثلث ، فإذا كان الثلث واجبا كان النبي صلىاللهعليهوسلم تاركا للواجب؟.
قلنا : المقدر للشيء قد ينقص منه لعدم انضباطه لأنه باجتهاد فربما أخطأ ، فهو كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) [المزمل : ٢٠].
الثاني : أن «نصفه» تفسير ل «قليلا» لأن النصف قليل بالنسبة إلى الكل لأن المكلف بالنصف لا يخرج عن العهدة بيقين ، إلا بزيادة شيء قليل عليه فيصير في الحقيقة نصفا وشيئا ، فيكون الباقي بعد ذلك أقل من النصف ، فالمعنى : قم نصف الليل ، أو انقص منه
__________________
(١) سقط من أ.
(٢) الفخر الرازي ٣٠ / ١٥٢.