وقال الشافعي في قول : لا يلزم الوفاء به.
وعموم الآية حجة لنا ؛ لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق ، أو مقيد بشرط.
وقد قال أصحابه : إن النذر إنّما يكون بما يقصد منه القربة مما هو من جنس القربة ، وهذا وإن كان من جنس القربة ، لكنه لم يقصد منه القربة ، وإنما قصد منه منع نفسه عن فعل ، أو من الإقدام على فعل.
قلنا : القرب الشرعية مقتضيات وكلف وإن كانت قربات ، وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة كجلب نفع أو دفع ضرر ، فلم يخرج عن سنن التكليف ، ولا زال عن قصد التقرب.
قال ابن العربي (١) : «فإن كان المقول منه وعدا فلا يخلو أن يكون منوطا بسبب كقوله : إن تزوجت أعنتك بدينار ، أو ابتعت جارية كذا أعطيتك ، فهذا لازم إجماعا من الفقهاء ، وإن كان وعدا مجردا.
فقيل : يلزم بتعلقه ، واستدلوا بسبب الآية ، فإن روي أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله هذه الآية ، وهو حديث لا بأس به.
وروي عن مجاهد أن عبد الله [بن رواحة](٢) لما سمعها قال : «لا أزال حبيسا في الله حتى أقتل» (٣).
والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال».
قال القرطبي (٤) : «قال مالك : فأما العدد مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له هبة ، فيقول : نعم ، ثم يبدو له ألّا يفعل ، فلا أرى ذلك يلزمه».
فصل
قال القرطبي (٥) : ثلاث آيات منعتني أن أقضي على الناس : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) [هود : ٨٨] ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٣].
وخرج أبو نعيم الحافظ من حديث مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس بن مالك ،
__________________
(١) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٨٠.
(٢) سقط من أ.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣١٦) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر.
(٤) الجامع لأحكام القرآن (١٨ / ٥٣).
(٥) ينظر السابق ، والثابت في المطبوع أنه من كلام النخعي.