قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلّما قرضت عادت ، قلت : من هؤلاء يا جبريل؟.
قال : هؤلاء خطباء أمّتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به»(١).
فصل
قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله ، أما في الماضي ، فيكون كذبا ، وفي المستقبل ، يكون خلفا ، وكلاهما مفهوم (٢).
قال الزمخشري (٣) : هي لام الإضافة ، دخلت على «ما» الاستفهامية ، كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك : «بم ، وفيم ، وعمّ» ، وإنما حذفت الألف ؛ لأن «ما» والحرف كشيء واحد ، ووقع استعمالها في كلام المستفهم» ، ولو كان كذلك لكان معنى الاستفهام واقعا في قوله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ) ، والاستفهام من الله تعالى محال ؛ لأنه عالم بجميع الأشياء ، والجواب (٤) هذا إذا كان المراد حقيقة الاستفهام ، وأما إذا كان أراد إلزام من أعرض عن الوفاء مما وعد أو أنكر الحق وأصرّ على الباطل فلا.
وتأول سفيان بن عيينة قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) أي : لم تقولون [ما ليس الأمر فيه](٥) إليكم ، فلا تدرون هل تفعلون ، أو لا تفعلون ، فعلى هذا يكون الكلام محمولا على ظاهره في إنكار القول.
قوله : (كَبُرَ مَقْتاً). فيه أوجه (٦) :
أحدها : أن يكون من باب : «نعم وبئس» ، فيكون في «كبر» ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده ، و «أن تقولوا» هو المخصوص بالذم ، فيجيء فيه الخلاف المشهور : هل رفعه بالابتداء وخبره الجملة مقدمة عليه؟ أو خبره محذوف ، أو هو خبر مبتدأ محذوف ، كما تقدم تحريره؟.
وهذه قاعدة مطردة : كل فعل يجوز التعجّب منه ، يجوز أن يبنى على «فعل» ـ بضم العين ـ ويجري مجرى «نعم وبئس» في جميع الأحكام.
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨ / ٤٤) من حديث أنس من طريق إبراهيم بن أدهم عن مالك بن دينار عن أنس مرفوعا وقال أبو نعيم مشهور من حديث مالك بن أنس غريب من حديث إبراهيم عنه ، وذكره السيوطي في الدر المنثور» (٤ / ٢٧٨) وعزاه إلى ابن مردويه.
(٢) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥٣.
(٣) الكشاف ٤ / ٥٢٢.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٠.
(٥) سقط من أ.
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٠٩.