وقال ابن مسعود : أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا ، فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء ، وقرأ : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(١).
وقال ابن عمر : ما خلق الله موتة أموتها بعد الموت في سبيل الله أحبّ إليّ من الموت بين شعبتي رحلي ، أبتغي من فضل الله ، ضاربا في الأرض (٢).
وقال طاووس : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله (٣).
قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، أي : صلّوا ما أمكن فأوجب الله تعالى من صلاة الليل ، ما تيسّر ، ثم نسخ ذلك بإيجاب الصلوات الخمس على ما تقدم.
وقال عبد الله بن عمرو : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان كان يقوم اللّيل ، فترك قيام اللّيل» ، ولو كان فرضا ما أقره النبي صلىاللهعليهوسلم ولا أخبر بمثل هذا الخبر عنه ، بل كان يذمه غاية الذم (٤).
فصل في القدر الذي يقرأ به في صلاته
إذا ثبت أنّ قيام الليل ليس بفرض ، وأن قوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) محمول على ظاهره من القراءة في الصلاة ، فاختلف العلماء في قدر ما يلزمه أن يقرأ به في الصلاة.
فقال مالك والشافعيّ : فاتحة الكتاب لا يجوز العدول عنها ولا الاقتصار على بعضها ، وقدره أبو حنيفة بآية واحدة من أي القرآن كانت ، وعنه ثلاث آيات لأنها أقل سورة ، وقيل المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة.
قال الماورديّ : فعلى هذا القول يكون مطلق الأمر محمولا على الوجوب ليقف بقراءته على إعجازه وما فيه من دلائل التوحيد ، وبعث الرسل ، ولا يلزمه إذا قرأه وعرف إعجازه ، ودلائل التوحيد أن يحفظه ؛ لأن حفظ القرآن من القرب المستحبة دون الواجبة والأكثرون على أنه للاستحباب ، لأنه لو وجب علينا قراءته لوجب حفظه. وفي قدر الواجب أقوال :
الأول : قال الضحاك : جميع القرآن ، لأن الله تعالى يسره على عباده (٥).
الثاني : قال جويبر : ثلث القرآن (٦).
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٣٧).
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١٣٣) والقرطبي (١٩ / ٣٩).
(٦) ينظر المصدر السابق.