الله صلىاللهعليهوسلم أمهاجرة جئت يا سارة؟ قالت : لا ، قال : أمسلمة جئت؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك؟ قالت : كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة ، وقد ذهبت الموالي ـ تعني قتلوا يوم بدر ـ وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني ، فقال عليه الصلاة والسلام : فأين أنت عن شباب أهل مكّة؟ ـ وكانت مغنية نائحة قالت : ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر ، فحث رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها ، فكسوها وحملوها وأعطوها ، فخرجت إلى مكة ، وأتاها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى ، وقال : أعطيك عشرة دنانير ، وبردا على أن تبلغي هذا الكتاب إلى أهل «مكّة» ، وكتب في الكتاب : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريدكم ، فخذوا حذركم ، فخرجت سارة ، ونزل جبريل عليهالسلام فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، فبعث عليّا والزبير والمقداد وأبا مرثد الغنوي ، وفي رواية : عليّا وعمار بن ياسر ، وفي رواية : عليّا وعمارا وعمرا والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد ، وكانوا كلهم فرسانا ، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة «خاخ» ، فإن بها ظعينة ، ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها وخلّوا سبيلها ، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها ، فأدركوها في ذلك المكان ، فقالوا : أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها كتاب ، ففتشوا أمتعتها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع ، فقال علي : والله ما كذّبنا ولا كذّبنا وسلّ سيفه ، وقال أخرجي الكتاب وإلا والله لأجرّدنّك ولأضربن عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد خبأته في شعرها ـ وفي رواية في حجزتها ـ فخلّوا سبيلها ، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأرسل إلى حاطب ، فقال : هل تعرف هذا الكتاب؟ قال : نعم ، وذكر الحديث.
فصل في النهي عن موالاة الكفار (١)
هذه السورة أصل في النهي عن موالاة الكفّار ، وقد تقدم نظيره ، كقوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) [آل عمران : ٢٨]. وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١].
روي أن حاطبا لما سمع (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) غشي من الفرح بخطاب الإيمان.
قوله : «تلقون». فيه أربعة أوجه (٢) :
أحدها : أنه تفسير لموالاتهم إياهم.
الثاني : أنه استئناف إخبار بذلك ، فلا يكون للجملة على هذين الوجهين محلّ من الإعراب.
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٥.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠١.