وقال القرطبي (١) : والتّراصّ : التلاصق ، ومنه قوله : وتراصوا في الصف ، ومعنى الآية : إن الله ـ تعالى ـ يحب من يثبت في الجهاد ، وفي سبيله ، ويلزم مكانه ، كثبوت البناء.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يوضع الحجر على الحجر ، ثم يرص بأحجار صغار ، ثم يوضع اللبن عليه ، فيسمونه أهل مكة المرصوص (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : ويجوز أن يكون المعنى على أن يكون ثباتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة ، وموالاة بعضهم بعضا ، كالبنيان [المرصوص](٤).
وقال سعيد بن جبير : هذا تعليم من الله للمؤمنين ، كيف يكونون عند قتال عدوهم.
فصل في أن قتال الراجل أفضل من الفارس
قال القرطبي (٥) : استدل بهذه الآية بعضهم على أن قتال الراجل أفضل من قتال الفارس ؛ لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة.
قال المهدويّ : وذلك غير مستقيم لما جاء في فضل الفارس من الأجر والغنيمة ، ولا يخرج الفرسان من معنى الآية ؛ لأن معناه الثبات.
فصل في الخروج من الصف
لا يجوز الخروج من الصفّ إلا لحاجة تعرض للإنسان ، أو في رسالة يرسلها الإمام ، أو منفعة تظهر في المقام ك «فرصة» تنتهز ولا خلاف فيها.
وفي الخروج عن الصف للمبارزة [خلاف](٦).
فقيل : إنه لا بأس بذلك إرهابا للعدو ، وطلبا للشهادة ، وتحريضا على القتال.
وقيل : لا يبرز أحد طلبا لذلك ؛ لأن فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو ، وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر ، كما كانت في حروب النبي صلىاللهعليهوسلم يوم «بدر» ، وفي غزوة «خيبر» ، وعليه درج السلف.
وقد تقدم الكلام في ذلك في سورة «البقرة» عند قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [الآية : ١٩٥].
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٥٤.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٩ / ٢٧٠) عن ابن عباس.
(٣) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٧١.
(٤) سقط من أ.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٥٤.
(٦) سقط من أ.