فصل في تعلق الآية بما قبلها
في اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى أمره قبل هذه الآية بأربعة أشياء : إنذار القوم ، وتكبير الرب ، وتطهير الثياب ، وهجر الرجز ، ثم قال ـ جلّ ذكره ـ : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ، أي : لا تمن على ربّك بهذه الأعمال الشاقة كالمستكثر لما يفعله بل اصبر على ذلك كله لوجه ربّك متقربا بذلك إليه غير ممتن به عليه.
قال الحسن ـ رحمهالله ـ : بحسناتك ، فتستكثرها (١).
وقال ابن عباس وقتادة وعكرمة : ولا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها (٢).
وقيل : لا تمنن على الناس بما تعلمهم من أمر الدين والوحي مستكثرا بذلك الإنعام ، فإنّما فعلت ذلك بأمر الله تبارك وتعالى ، فلا منة لك عليهم ، ولهذا قال تعالى : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ).
وقيل : لا تمنن عليهم بنبوتك ، أي : لتستكثر ، أي : لتأخذ منهم على ذلك أجرا تستكثر به مالك.
وقال مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير (٣) ، من قولك : حبل منين ، إذا كان ضعيفا ، ودليله قراءة ابن مسعود : ولا تمنن تستكثر من الخير وعن مجاهد أيضا ، والربيع : لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير فإنه مما أنعم الله عليك (٤).
وقال ابن كيسان : لا تستكثر عملك فتراه من نفسك ، إنما عملك منة من الله عليك ، إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته.
وقال زيد بن أسلم إذا أعطيت عطية فأعطها لربّك ، لا تقل : دعوت فلم يستجب لي.
وقيل : لا تفعل الخير لترائي به الناس.
فإن قيل هذا النهي مختص بالرسول صلىاللهعليهوسلم أو يتناول الأمة؟.
فالجواب : أن ظاهر اللفظ قرينة الحال لا تفيد العموم ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم إنما نهي عن ذلك تنزيها لمنصب النبوة ، وهذا المعنى غير موجود في الأمة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٠٢).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٠١) عن ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٣٤) وقال رواه الطبراني وفيه عطية العوفي وهو ضعيف.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٥٢) عن عكرمة وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٠٢) عن مجاهد.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٠٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٥٢) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.