وقيل : المعنى في حقّ الأمة هو الرياء ، والله تعالى منع الكل من ذلك.
فإن قيل : هل هذا نهي تحريم أو تنزيه؟.
فالجواب : أن ظاهر النهي التحريم.
فصل في المقصود من الآية
قال القفال (١) : يحتمل أن يكون المقصود من الآية أن يحرم على النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعطي أحدا شيئا لطلب عوض سواء كان العوض زائدا أو ناقصا ، أو مساويا ، ويكون معنى قوله تعالى (تَسْتَكْثِرُ) ، أي : طالبا للكثرة كارها أن ينتقص المال بسبب العطاء ، فيكون الاستكثار ـ هاهنا ـ عبارة عن طلب العوض كيف كان ، وإنما حسنت هذه العبارة ، لأن الغالب أن الثواب زائد على العطاء ، فسمى طلب الثواب استكثارا ، حملا للشيء على أغلب أحواله ، كما أن الأغلب أن المرأة إنما تتزوج ، ولها ولد للحاجة إلى من يربي ولدها ، فسمي الولد ربيبا ، ثم اتسع الأمر ، وإن كان حين تتزوج أمه كبيرا ، ومن ذهب إلى هذا القول قال : السبب فيه أن يصير عطاء النبي صلىاللهعليهوسلم خاليا عن انتظار العوض ، والتفات النفس إليه فيكون ذلك خالصا مخلصا لوجه الله تعالى.
قال القرطبي ـ رحمهالله (٢) ـ : «أظهر الأقوال قول ابن عباس «لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال» يقال : مننت فلانا كذا ، أي : أعطيته ، ويقال للعطية : المنة فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله ، لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها ، لأنه صلىاللهعليهوسلم ما كان يجمع للدنيا ، ولهذا قال : «ما لي ممّا أفاء الله عليّ إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم» وكان ما يفضل عن نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين ، ولهذا لم يورث».
قوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) التقديم على ما تقدم. وحسنه كونه رأس فاصلة موافيا لما تقدم.
(وَلِرَبِّكَ) يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون لام العلة ، أي : لوجه ربّك فاصبر ، أي : على أذى الكفار وعلى عبادة ربك ، وعلى كل شيء مما لا يليق فترك المصبور عليه ، والمصبور عنه للعلم بهما ، والأحسن أن لا يقدر شيء خاص بل شيء عام.
والثاني : أن يضمن «صبر» معنى : «أذعن» ، أي : أذعن لربّك ، وسلم له أمرك صابرا ، لقوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) [القلم : ٤٨].
قوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)(١٠)
قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ).
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ١٧٢.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٤٥.