جوارحهم ، ويفضحون على رؤوس الأشهاد بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف ، حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى فإنهم لا يناقشون الحساب ، ويحشرون بيض الوجوه ، ثقال الموازين.
قال ابن الخطيب (١) : ويحتمل أن يكون عسيرا على المؤمنين ، والكافرين ، على ما روي أن الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ يفزعون يومئذ ، وأن الولدان يشيبون ، إلا أنه يكون على الكفار أشد فعلى الأول : لا يحسن الوقف على قوله (يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، فإن المعنى : إنه على الكافرين عسير وغير يسير.
وعلى الثاني : يحسن الوقف ، لأنه في المعنى : أنه في نفسه عسير على الكل ثم الكافر فيه مخصوص بزيادة تخصه ، وهي أنه عليه عسير.
فصل في دليل الخطاب
قال ابن الخطيب (٢) : استدل بهذه الآية القائلون بدليل الخطاب ، قالوا : لو لا أن دليل الخطاب حجة (٣) وإلا فما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافرين كونه يسيرا على المؤمنين.
قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)(٣٠)
قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ، الواو في قوله : (وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ، كقوله : «والمكذبين» في الوجهين المتقدمين في السورة قبلها.
وقوله تعالى : (وَحِيداً) فيه أوجه :
__________________
(١) الفخر الرازي ٣٠ / ١٧٤.
(٢) السابق.
(٣) ينظر : البحر المحيط للزركشي ٤ / ١٣ ، البرهان لإمام الحرمين ١ / ٤٤٩ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ٣٨ ، المنخول للغزالي ٢٠٨ ، حاشية البناني ١ / ٢٤٥ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٢ / ٢٣ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ١ / ٣٢٦ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٩٨ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢ / ١٧٣ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ١ / ١٤١ ، الوجيز للكراماستي ٢٤ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٥٧٩ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ٩١ ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ١ / ١١٥.