أحدها : أنه حال من الياء في «ذرني» ، أي : ذرني وحدي معه فأنا أكفيك في الانتقام منه.
الثاني : أنه حال من التاء في «خلقت» ، أي خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد فأنا أهلكه.
الثالث : أنه حال من «من».
الرابع : أنه حال من عائده المحذوف ، أي خلقته وحيدا ، ف «وحيدا» على هذا حال من ضمير المفعول المحذوف ، أي : خلقته وحده لا مال له ولا ولد ، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته ؛ قاله مجاهد (١).
الخامس : أن ينتصب على الذّمّ ، لأنه يقال : إن وحيدا كان لقبا للوليد بن المغيرة ، ومعنى «وحيدا» ذليلا.
قيل : كان يزعم أنه وحيد في فضله ، وماله ، وليس في ذلك ما يقتضي صدق مقالته لأن هذا لقب له شهر به ، وقد يلقب الإنسان بما لا يتصف به ، وإذا كان لقبا تعين نصبه على الذم.
فصل في معنى «ذرني»
معنى «ذرني» أي : دعني ، وهي كلمة وعيد وتهديد ، (وَمَنْ خَلَقْتُ) هذه واو المعية ، أي : دعني والذي خلقته وحيدا.
قال المفسرون : هو الوليد بن المغيرة المخزومي ، وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه فإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة ، وأذى الرسول صلىاللهعليهوسلم وكان يسمى الوحيد في قومه.
قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد ابن الوحيد ، ليس لي في العرب نظير ، ولا لأبي المغيرة نظير ، فقال الله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ) بزعمه «وحيدا» لأن الله تعالى صدقه ، بأنه وحيد (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : ورد هذا القول بعضهم بأنه تعالى لا يصدقه في دعواه بأنه وحيد لا نظير له ، ذكره الواحدي ، والزمخشري ، وهو ضعيف من وجوه :
الأول : لأنه قد يكون الوحيد علما فيزول السؤال ، لأن اسم العلم لا يفيد في المسمى صفة ، بل هو قائم مقام الإرشاد.
__________________
(١) ذكره القرطبي في تفسيره ١٩ / ٤٧.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٤٧).
(٣) الفخر الرازي ٣٠ / ١٧٥.