فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ)(٣١)
قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً).
روي أن أبا جهل لما نزل قول الله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال : أيعجز كل مائة أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار ؛ فنزل قوله عزوجل : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أي : لم نجعلهم رجالا فتغالبوهم.
وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف المعذبين من الجن والإنس ، فلا تأخذهم مآخذ المجانس من الرقة والرأفة ، ولا يستريحون إليهم ، ولأنهم أشد الخلق بأسا ، وأقواهم بطشا ، ولذلك جعل ـ تعالى ـ الرسول إلى البشر من جنسهم ليكون رأفة ورحمة بنا.
وقيل : لأنّ قوتهم أعظم من قوة الإنس والجن.
فإن قيل : ثبت في الأخبار أنّ الملائكة مخلوقون من النور ، والمخلوق من النور كيف يطيق المكث في النار؟.
فالجواب : أن الله ـ تعالى ـ قادر على كل الممكنات ، فكما أنه لا استبعاد في [إبقاء الحي في مثل ذلك العذاب أبد الآباد ولا يموت ، فكذا لا استبعاد](١) في بقاء الملائكة هناك من غير ألم.
قوله (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا). أي : بليّة.
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : المعنى : ضلالة للذين كفروا (٢).
وقوله تعالى (فِتْنَةً) مفعول ثان على حذف مضاف ، أي إلا سبب فتنة ، و «الذين» صفة ل «فتنة» ، وليست «فتنة» مفعولا له.
فصل في علة ذكر العدد
قال ابن الخطيب (٣) : هذا العدد إنّما صار سببا لفتنة الكفار من وجهين :
الأول : أن الكفار يستهزئون ويقولون : لم لم يكونوا عشرين ، وما المقتضي لتخصيص هذا العدد؟.
والثاني : أن الكفار يقولون : هذا العدد القليل ، كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر خلق العالم من الجن والإنس من أول ما خلقهم الله إلى قيام القيامة؟.
__________________
(١) سقط من أ.
(٢) ينظر تفسير القرطبي (١٩ / ٥٣).
(٣) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ١٨٠.