أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية ، نظيره : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) ، أي : في الخير (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) [الحجر : ٢٤] عنه ، قال الحسن : هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر ، كقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)(١) [الكهف : ٢٧].
وقيل : المعنى لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر ، فالمشيئة متصلة بالله ـ عزوجل ـ والتقديم بالإيمان والتأخير بالكفر.
وكان ابن عباس يقول : هذا تهديد وإعلام أنّ من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم تسليما كثيرا جوزي بثواب لا ينقطع ، ومن تأخر عن الطاعة ، وكذب محمدا صلىاللهعليهوسلم عوقب عقابا لا ينقطع (٢).
وقال السديّ : «لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة» (٣).
فصل فيمن استدل بالآية على كون العبد متمكنا من الفعل
احتج المعتزلة بهذه الآية على كون العبد متمكنا من الفعل غير مجبور عليه.
وجوابه : أنّ هذه الآية دلّت على أن فعل العبد معلق على مشيئته ، لكن مشيئة العبد معلقة على مشيئة الله ـ تعالى جل ذكره ـ كقوله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠].
وحينئذ تصير الآية حجة عليهم.
قال ابن الخطيب (٤) : وذكر الأصحاب جوابين آخرين :
الأول : معنى إضافة المشيئة إلى المخاطبين ، التهديد ، كقوله عزوجل : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).
الثاني : أنّ هذه المشيئة لله ـ تبارك وتعالى ـ على معنى : لمن شاء الله منكم أن يتقدم ، أو يتأخر.
قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(٤٨)
قوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). فيه أوجه :
__________________
(١) ينظر المصدر السابق ١٩ / ٥٥.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ١٨٥.