وعن ابن عباس : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ، قال : يعجل المعصية ويسوف بالتوبة (١) وجاء في الحديث : «قال : يقول : سوف أتوب ، ولا يتوب ، فهو قد أخلف فكذب».
وقال عبد الرحمن بن زيد : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) من البعث والحساب ودليله : يسأل أيان يوم القيامة أي يسأل متى يكون؟ على وجه الإنكار والتكذيب (٢).
وقال الضحاك : هو الأمل ، يقول : سوف أعيش وأصيب من الدنيا ، ولا يذكر الموت(٣).
وقيل : يعزم على المعصية أبدا وإن كان لا يعيش إلا مدة قليلة ، فالهاء على هذه الأقوال الثلاثة للإنسان.
وإذا قلنا : بأن الهاء ليوم القيامة ، فالمعنى : بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي القيامة. والفجور : أصله الميل عن الحق.
قوله : (يَسْئَلُ أَيَّانَ) هذه جملة مستأنفة.
وقال أبو البقاء رحمهالله : تفسير ل «يفجر» فيحتمل أن يكون مستأنفا مفسّرا ، وأن يكون بدلا من الجملة قبلها ؛ لأن التفسير يكون بالاستئناف وبالبدل إلا أنّ الثاني منه رفع الفعل ، ولو كان بدلا لنصب ، وقد يقال : إنه أبدل الجملة من الجملة لا خصوصيّة الفعل من الفعل وحده ، وفيه بحث قد تقدم نظيره في «الذاريات» وغيره. والمعنى : يسأل متى يوم القيامة.
فصل فيمن أنكروا البعث
قال ابن الخطيب (٤) : اعلم أنّ إنكار البعث يتولد تارة من الشّبهة ، وأخرى من الشّهوة ، فأما تولده من الشبهة فهو ما حكاه الله ـ عزوجل ـ بقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ، وتقديره : أنّ الإنسان هو هذا البدن ، فإذا مات وتفرقت أجزاؤه ، واختلطت بأجزاء التراب ، وتفرّقت بالرّياح في مشارق الأرض ومغاربها ، فيكون تمييزها بعد ذلك محالا.
وهذه الشبهة ساقطة من وجهين :
الأول : لا نسلّم أن الإنسان هو هذا البدن ، بل هو شيء مدبر لهذا البدن ، فإذا فسد هذا البدن بقي هو حيّا كما كان ، وحينئذ يعيد الله ـ تبارك وتعالى ـ أي بدن أراد ، فيسقط
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٦٥) وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في «ذم الأمل» والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٣٠).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٣٠).
(٤) الفخر الرازي ٣٠ / ١٩٣.