السؤال وفي الآية إشارة إلى هذا ، لأنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة ، ثم قال تعالى جل ذكره : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ، وهو تصريح بالفرق بين النفس والبدن.
الثاني : سلّمنا أنّ الإنسان هو هذا البدن ، لكنه سبحانه عالم بالجزئيات ، فيكون عالما بالجزء الذي هو بدن زيد ، وبالجزء الذي هو بدن عمرو ، وهو ـ تعالى ـ قادر على كلّ الممكنات ، فيلزم أن يكون قادرا على تركيبها ثانيا ، فزال الإشكال وأما إنكار البعث بناء على الشّهوة فهو قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ).
ومعناه أن الإنسان الذي يميل طبعه للشّهوات واللّذات والفكرة في البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره.
قوله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ)(١٥)
قوله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ). قرأ نافع وأبان (١) عن عاصم : برق بفتح الراء.
والباقون : بالكسر.
فقيل : لغتان في التحيّر والدهشة ، ومعناه لمع بصره من شدّة شخوصه ، فتراه لا يطرف.
وقيل : برق ـ بالكسر ـ تحيّر فزعا.
قال الزمخشري : «وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره».
قال غيره : كما يقال : أسد وبقر ، إذا رأى أسدا وبقرا كثيرا فتحيّر من ذلك.
قال ذو الرمة : [الطويل]
٤٩٨٦ ـ وكنت أرى في وجه ميّة لمحعة |
|
فأبرق مغشيا عليّ مكانيا (٢) |
وأنشد الفراء رحمهالله : [المتقارب]
٤٩٨٧ ـ فنفسك فانع ولا تنعني |
|
وداو الكلوم ولا تبرق (٣) |
أي : لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك.
و «برق» بالفتح : من البريق ، أي : لمع من شدّة شخوصه.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٦١ ، والحجة ٦ / ٣٤٥ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤١٤ ، وحجة القراءات ٧٣٦.
(٢) ينظر ديوان ذي الرمة ٢ / ١٣٠٨ ، والبحر ٨ / ٣٧٣ ، والدر المصون ٦ / ٤٢٧. وقد نسبه أبو حيان إلى الأعشى وتابعه تلميذه السمين في الدر وهذا خطأ.
(٣) البيت لطرفة بن العبد ينظر ديوان طرفة ص ٧٠ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢٠٩ ، والطبري ٢٩ / ١١٢ ، واللسان (برق) ، والقرطبي (١٩ / ٦٣) ، والدر المصون (٦ / ٤٢٧).