جهنم لأنهما قد عبدا من دون الله ولا تكون النار عذابا لهما لأنهما جماد وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكفار وحسرتهم (١).
وقيل : هذا الجمع إنما يجمعان ويقرّبان من الناس فيلحقهم العرق لشدّة الحر فيكون المعنى : يجمع حرهما عليهم.
وقيل : يجمع الشمس والقمر ، فلا يكون ثم تعاقب ليل ولا نهار.
قال ابن الخطيب (٢) : وقيل : جمع بينهما في حكم ذهاب الضوء كما يقال : يجمع بين كذا وكذا في حكم كذا ، أي : كل منهما يذهب ضوؤه.
فصل في الرد على من طعن في الآية
قال ابن الخطيب (٣) : طعنت الملاحدة في الآية فقالوا : خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر.
والجواب : أن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يخسف القمر سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس ، أو لم تكن ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قادر على كل الممكنات فيقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
قوله : (يَقُولُ الْإِنْسانُ). جواب «إذا» من قوله : (فَإِذا بَرِقَ) ، و (أَيْنَ الْمَفَرُّ) منصوب المحل بالقول ، و «المفرّ» مصدر بمعنى «الفرار» وهذه هي القراءة المشهورة.
وقرأ الحسنان ابنا (٤) علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : بفتح الميم وكسر الفاء ، وهو اسم مكان الفرار ، أي أين مكان الفرار.
وجوز الزمخشري أن يكون مصدرا ، قال : «كالمرجع» وقرأ الحسن (٥) عكس هكذا : أي بكسر الميم وفتح الفاء ، وهو الرجل الكثير الفرار ؛ كقول امرىء القيس يصف جواده : [الطويل]
٤٩٩٠ ـ مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل (٦) |
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٦٣).
(٢) ينظر الرازي ٣ / ١٩٤.
(٣) ينظر الرازي ٣٠ / ١٩٤.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٠٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٧٧ ، والدر المصون ٦ / ٤٢٨.
(٥) ينظر : السابق.
(٦) ينظر ديوانه ص ١٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٢٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٧ ، ٣ / ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، والدرر ٣ / ١١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٤ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٦٥ ، ورصف المباني ص ٣٢٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٢٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٤ ، والمقرب ١ / ٢١٥ ، وهمه الهوامع ١ / ٢١٠.