قوله : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ). هذه الجملة حالية ، وقد تقدم نظيرها مرارا.
والمعاذير : جمع معذرة على غير قياس ك «ملاقيح ومذاكير» جمع لقحة وذكر. وللنحويين في مثل هذا قولان :
أحدهما : أنه جمع لملفوظ به وهو لقحة وذكر.
والثاني : أنه جمع لغير ملفوظ به بل لمقدّر ، أي ملقحة ومذكار.
وقال الزمخشري : «فإن قلت : أليس قياس «المعذرة» أن تجمع على معاذر لا معاذير؟.
قلت : «المعاذير» ليست جمع «معذرة» بل اسم جمع لها ، ونحوه : «المناكير» في المنكر».
قال أبو حيان (١) : «وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع ، وإنما هو من أبنية جموع التكسير» انتهى.
وقيل : «معاذير» جمع معذار ، وهو السّتر ، والمعنى : ولو أرخى ستوره ، والمعاذير : الستور بلغة «اليمن» (٢) ، قاله الضحاك والسديّ ؛ وأنشد : [الطويل]
٤٩٩٣ ـ ولكنّها ضنّت بمنزل ساعة |
|
علينا وأطّت فوقها بالمعاذر (٣) |
قال الزجاج : المعاذير : الستور ، والواحد : معذار. أي وإن أرخى ستوره يريد أن يخفي عمله فنفسه شاهدة عليه ، وقد حذف الياء من «المعاذر» ضرورة.
وقال الزمخشري : «فإن صح ـ يعني أن المعاذير : الستور ـ فلأنه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب». وهذا القول منه يحتمل أن يكون بيانا للمعنى الجامع بين كون المعاذير : الستور والاعتذارات ، وأن يكون بيانا للعلاقة المسوّغة في التجويز.
فصل في معنى الآية
قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد وأبو العالية وعطاء والفراء والسديّ: المعنى : ولو اعتذر وقال : لم أفعل شيئا لكان عليه من نفسه من يشهد عليه من جوارحه ، فهو وإن اعتذر وجادل عن نفسه فعليه شاهد يكذّب عذره (٤).
__________________
(١) ينظر البحر المحيط ٨ / ٣٨٦.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٦٧) وعزاه إلى ابن المنذر.
(٣) ينظر : القرطبي ١٩ / ٦٦ ، والبحر ٨ / ٣٧٨ ، والدر المصون ٦ / ٤٢٩.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي (١٦ / ٦٦).