الأول : أن ظاهر الآية يقتضي وجوب تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وأنتم لا تقولون به.
الثاني : أن عندنا الواجب أن يقرن باللفظ إشعارا بأنه ليس المراد في اللفظ ما يقتضيه ظاهره. فأما البيان التفصيلي فيجوز تأخيره فتحمل الآية على تأخير البيان التفصيلي.
وذكر القفال وجها ثالثا : وهو قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه فيحمل على الترتيب ، ونظيره قوله تعالى (فَكُّ رَقَبَةٍ) إلى قوله (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٣ ـ ١٧].
قال ابن الخطيب (١) : والجواب عن الأول : أن اللفظ لا يقتضي وجوب تأخير البيان ، بل يقتضي تأخير وجوب البيان ، فيكون الجواب بالمنع لأن وجوب البيان لا يتحقق إلا عند الحاجة ، وعن الثاني : أنّ كلمة «ثمّ» دخلت على مطلق البيان المجمل والمفصل ، فالتخصيص بأحدهما تحكم بغير دليل.
وجواب القفال : بأنه ترك للظاهر بغير دليل.
فصل فيمن جوز الذنوب على الأنبياء
أورد من جوّز الذنوب على الأنبياء ، بأن هذا الاستعجال إن كان بإذن ، فكيف نهي عنه وإن كان بغير إذن فهو ذنب.
قال ابن الخطيب (٢) : والجواب : لعله كان مأذونا فيه إلى وقت النهي.
قوله تعالى : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)(٢٥)
قوله : (كَلَّا). قال الزمخشري : «كلّا» ردع للنبي صلىاللهعليهوسلم عن عادة العجلة وحثّ على الأناة.
وقال جماعة من المفسرين : «كلّا» معناه «حقّا» أي : حقّا تحبّون العاجلة ، وهو اختيار أبي حاتم ؛ لأن الإنسان بمعنى الناس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «كلّا» أي : أنّ أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه (٣).
وقيل : «كلّا» لا يصلّون ولا يزكّون ، يريد كفار «مكّة».
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١٩٩.
(٢) السابق ٣٠ / ١٩٧.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٧٠).