الأصناف (١) ، فإن قيل : قال أولا : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ، وقال ثانيا : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فما الفائدة؟.
فالجواب (٢) : إذا أنكروا الرسول صلىاللهعليهوسلم وما أوحي إليه من الكتاب ، وذلك من نعمة الله تعالى ، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ، ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك ، فالمراد من الكافرين هنا : اليهود والنصارى والمشركون ، فلفظ الكافر أليق به ، وأما قوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ، فذلك عند إنكارهم [التوحيد](٣) وإصرارهم عليه ، فالنبي صلىاللهعليهوسلم دعاهم في ابتداء الدعوة إلى التوحيد ب «لا إله إلا الله» ، فلم يقولوا : «لا إله إلا الله» ، فلهذا قال : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٩)
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) يعني : محمدا «بالهدى» أي : بالحقّ والرشاد ، (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) بالحجج ، ومن الظهور الغلبة باليد في القتال ، وليس المراد بالظهور : أن لا يبقى دين [آخر](٤) من الأديان ، بل المراد : أن يكون أهل الإسلام عالين غالبين ، ومن الإظهار ألا يبقى دين آخر سوى الإسلام في آخر الزمان (٥).
قال مجاهد : ذلك إذا أنزل الله عيسى ، لم يكن في الأرض دين إلّا دين الإسلام (٦).
قال أبو هريرة : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) بخروج عيسى ، وحينئذ لا يبقى كافر إلا أسلم (٧).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لينزلنّ ابن مريم حكما عادلا ، فليكسرنّ الصّليب وليقتلنّ الخنزير ، وليضعنّ الجزية ، ولتتركن القلاص فلا يسعى إليها ، ولتذهبنّ الشّحناء والتّباغض والتّحاسد ، وليدعونّ إلى المال فلا يقبله أحد» (٨).
وقيل : ليظهره ، أي : ليطلع محمدا صلىاللهعليهوسلم على سائر الأديان حتى يكون عالما بها عارفا بوجوه بطلانها ، وبما حرفوا وغيّروا منها (عَلَى الدِّينِ) أي : على الأديان ؛ لأن الدين مصدر يعبر به عن الجميع (٩).
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥٦.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٤.
(٣) في أ : النور.
(٤) سقط من أ.
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥٦.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٥٦).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٨٥) عن أبي هريرة.
(٨) تقدم.
(٩) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥٧.