قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١٣)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) الآية.
قال مقاتل : نزلت في عثمان بن مظعون ، قال : يا رسول الله ، لو أذنت لي فطلقت خولة ، وترهبت واختصيت ، وحرمت اللحم ، ولا أنام بليل أبدا ، ولا أفطر بنهار أبدا ، فقال النبيصلىاللهعليهوسلم : «إنّ من سنّتي النّكاح فلا رهبانية في الإسلام وإنّما رهبانية أمّتي الجهاد في سبيل الله ، وخصاء أمّتي الصّوم ، فلا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ، ومن سنّتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ، فقال عثمان : لوددت يا نبي الله ، أي التجارات أحب إلى الله فأتجر فيها ، فنزلت (١).
وقيل : «أدلّكم» أي : سأدلكم ، والتجارة : الجهاد ، قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١] : الآية ، وهذا خطاب لجميع المؤمنين.
وقيل : لأهل الكتاب.
وقيل : نزل هذا حين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا.
قال البغويّ (٢) : وجعل ذلك بمنزلة التجارة ؛ لأنهم يرجون بها رضا الله عزوجل ، ونيل جنته والنجاة من النار.
والتجارة عبارة عن معاوضة الشيء بالشيء ، كما أن التجارة تنجي التاجر من الفقر فكذا هذه التجارة ، وكما أن في التجارة الربح والخسران ، فكذلك هذه التجارة ، فمن آمن وعمل صالحا ، فله الأجر الوافر ، ومن أعرض عن الإيمان والعمل الصالح ، فله الخسران المبين (٣).
قوله : (تُنْجِيكُمْ). هذه الجملة صفة ل «تجارة» (٤).
وقرأ ابن عامر (٥) : تنجيكم من عذاب أليم بالتشديد.
والباقون : بالتخفيف ، من «أنجى» ، وهما بمعنى واحد ؛ لأن التضعيف والهمزة متعديان.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٥٧).
(٢) ينظر : معالم التنزيل ٤ / ٣٣٨.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٤.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٢.
(٥) ينظر : السبعة ٦٣٥ ، والحجة ٦ / ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٦٤ ، وحجة القراءات ٧٠٨ ، والعنوان ١٩٠ ، وشرح شعلة ٦٠٢ ، وإتحاف ٢ / ٥٣٧.