وقال الفراء (١) : هو مجزوم على جواب الاستفهام ، وهو قوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ).
واختلف الناس في تصحيح هذا القول (٢) :
فبعضهم غلطه. قال الزجاج (٣) : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم ، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا.
يعني : أنه ليس مرتبا على مجرد الاستفهام ولا على مجرد الدلالة.
قال القرطبي (٤) : و «تؤمنون» عند المبرد والزجاج في معنى «آمنوا» ولذلك جاء (يَغْفِرْ لَكُمْ) مجزوما على أنه جواب الأمر.
قال ابن الخطيب (٥) : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) في معنى الأمر عند الفرّاء ، يقال : هل أنت ساكت أي : اسكت ، وبيانه أن «هل» بمعنى الاستفهام ثم يندرج إلى أن يصير عرضا وحثّا ، والحث كالإغراء ، والإغراء أمر.
وقال المهدوي : إنما يصح حمله على المعنى ، وهو أن يكون «تؤمنون ، وتجاهدون» : عطف بيان على قوله : (هَلْ أَدُلُّكُمْ).
كأن التجارة لم يدر ما هي فبينت بالإيمان والجهاد ، فهي هما في المعنى ، فكأنه قيل : هل تؤمنون وتجاهدون؟.
قال (٦) : فإن لم يقدر هذا التقدير لم يصح ، لأنه يصير إن دللتم يغفر لكم والغفران إنما يجب بالقبول والإيمان لا بالدلالة.
وقال الزمخشري قريبا منه أيضا.
وقال أيضا (٧) : إن «تؤمنون» استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل؟ فقال : تؤمنون.
وقال ابن عطيّة (٨) : «تؤمنون» : فعل مرفوع ، تقديره : ذلك أنه تؤمنون.
فجعله خبرا ، وهي وما في حيّزها خبر لمبتدأ محذوف ، وهذا محمول على تفسير المعنى لا تفسير الإعراب فإنه لا حاجة إليه (٩).
فصل
قال ابن الخطيب (١٠) : فإن قيل : كيف أمرهم بالإيمان بعد قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؟.
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن له ٣ / ١٥٤.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٢.
(٣) ينظر : معاني القرآن ٥ / ١٦٦.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٥٧.
(٥) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٧٤.
(٦) ينظر : القرطبي ١٨ / ٥٧.
(٧) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٢٦.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٠٤.
(٩) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٣.
(١٠) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٧٥.