(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ) أي : من قبله وقبل أن يرسل إليهم (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : في ذهاب عن الحق (١).
فصل في الرد على بعض الشبه
قال ابن الخطيب (٢) : احتج أهل الكتاب بهذه الآية ، فقالوا : قوله تعالى : (بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) يدل على أنه ـ عليه الصلاة والسلام كان رسولا إلى الأميين وهم العرب خاصّة ، قال : وهذا ضعيف ، فإنه [لا](٣) يلزم من تخصيص الشيء بالذكر نفي ما عداه ، ألا ترى قوله تعالى : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨] أنه لا يفهم منه أنه لا يخطه بشماله ، ولأنه لو كان رسولا إلى العرب خاصة ، كان قوله تعالى (كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨] لا يناسب ذلك ، وقد اتفقوا على صدق الرسالة المخصوصة فيكون قوله : (كَافَّةً لِلنَّاسِ) دليلا على أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان رسولا إلى الكل.
قوله : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) فيه وجهان (٤) :
أحدهما : أنه مجرور عطفا على «الأميين» ، أي : وبعث في آخرين من الأميين و (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) صفة ل «آخرين».
والثاني : أنه منصوب عطفا على الضّمير المنصوب في «يعلّمهم».
أي : ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون ، فكلّ من تعلم شريعة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى آخر الزّمان فرسول الله صلىاللهعليهوسلم معلمه بالقوة ؛ لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم.
قوله : (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ).
أي : لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم (٥).
قال ابن عمر وسعيد بن جبير : هم العجم (٦).
وفي «صحيح البخاري» ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا قال : وفينا سلمان الفارسي قال : فوضع النبي صلىاللهعليهوسلم يده على سلمان ثم قال : «لو كان
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٦١.
(٢) ينظر : التفسير الكبير ٣٠ / ٤.
(٣) سقط من أ.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٥.
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ٦١.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٩٠) عن ابن عمر ومجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٢١) عن مجاهد وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.