والثاني : أنها في موضع الصفة للحمار ، لجريانه مجرى النكرة ، إذ المراد به الجنس.
قال الزمخشري (١) : أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم ، في قوله : [الكامل]
٤٧٦٧ ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
........... (٢) |
وتقدم تحرير ذلك وأن منه عند بعضهم : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ) [يس : ٣٧] ، وأن «نسلخ» نعت لليل ، والجمهور يجعلونه حالا للتعريف اللفظي.
وأما على قراءة عبد الله : فالجملة وصف فقط ، ولا يمتنع أن تكون حالا عند سيبويه (٣). والأسفار : جمع سفر ، وهو الكتاب المجتمع الأوراق.
فصل في تفسير هذا المثل (٤)
هذا مثل ضرب لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ، ولم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم (حُمِّلُوا التَّوْراةَ) أي : كلفوا العمل بها. قاله ابن عباس (٥).
وقال الجرجاني : هو من الحمالة بمعنى الكفالة ، أي : ضمنوا أحكام التوراة.
وقوله : (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها).
لم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقها (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) أي : كتبا من العلم ، واحدها سفر.
قال الفرّاء (٦) : هي الكتب العظام ، لأنها تسفر عما فيها من المعاني إذا قرئت ، ونظيره : شبر وأشبار.
يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرأون التوراة ولا ينتفعون بها ، لأنهم خالفوا ما فيها.
قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل ، كذلك اليهود ، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء (٧).
قال الشاعر : [الطويل]
٤٧٦٨ ـ لعمرك ما يدري البعير إذا غدا |
|
بأوساقه أو راح ما في الغرائر (٨) |
__________________
(١) الكشاف ٤ / ٥٣٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الكتاب ١ / ١٩٩.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ٦٢.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٦٢) عن ابن عباس.
(٦) ينظر : معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٥.
(٧) ينظر : القرطبي ١٨ / ٦٢.
(٨) البيت لمروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة.
ينظر : القرطبي ١٨ / ٩٥ ، والبحر ٨ / ٢٦٣.