وروى البغوي قال : وكان ذلك قبل أن يسلم دحية ، قال : فخرج الناس إليه ، ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو قام هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة من السماء» فأنزل الله هذه الآية (١).
فصل
وذكر أبو داود في مراسيله : السبب الذي ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة ، وقد كانوا خليقا بفضلهم ألّا يفعلوا ، فقال : حدثنا محمود بن خالد ، قال : حدثنا الوليد ، قال : أخبرني أبو معاذ بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة قدم بتجارته ، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفوف ، فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) فقدم النبي صلىاللهعليهوسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة فكان لا يخرج أحد لرعاف أو إحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي صلىاللهعليهوسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام ، فيأذن له النبي صلىاللهعليهوسلم ثم يشير إليه بيده ، فكان في المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق في جنبه مستترا به حتى يخرج ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) [النور : ٦٣] الآية (٢).
قال السّهيلي : وهذا الخبر وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم يوجب أن يكون صحيحا. والله أعلم.
وقال قتادة : وقد بلغنا أنهم فعلوه ثلاث مرات ، كل مرة عير تقدم من «الشام» وكل ذلك يوافق يوم الجمعة (٣).
وقيل : إن خروجهم لقدوم دحية الكلبي بتجارة ونظرهم إلى العير تمر لهو لا فائدة فيه ، إلا أنه كان مما لا إثم فيه لو وقع على ذلك الوجه ، ولكنه لما اتصل به الإعراض عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم والانفضاض عن حضرته غلظ وكبر ، ونزل فيه من القرآن وتهجينه باسم اللهو ما نزل. وكان معه جميع ما يحتاج إليه الناس من بر ودقيق وغيره ، فنزل عند أحجار الزيت ، وضرب بالطبل [ليؤذن](٤) الناس بقدومه ، فخرج الناس إلا اثنا عشر رجلا.
__________________
(١) ينظر تفسير البغوي (٤ / ٣٤٥).
(٢) أخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص ١٠٥) رقم (٦٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٣١) وعزاه إلى أبي داود في مراسيله عن مقاتل بن حيان.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٧٢) عن قتادة.
(٤) في أ : ليعلم.