اللّابث يقال لمن وجد منه اللبث ، ولا يقال : لبث إلا لمن شأنه اللبث ، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفكّ منه».
وما قاله الزمخشري أصوب.
وأمّا قول مكيّ : اللبث ليس بخلقة ، فمسلم ، لكنه بولغ في ذلك ، فجعل بمنزلة الأشياء المختلقة.
و «لابثين» اسم فاعل من «لبث» ، ويقويه أنّ المصدر منه «اللّبث» ـ بالإسكان ـ ك «الشرب». قوله : «أحقابا» منصوب على الظرف ، وناصبه «لابثين» ، هذا هو المشهور ، وقيل : منصوب بقوله : «لا يذوقون» ، وهذا عند من يرى تقدم معمول ما بعد «لا» عليها وهو أحد الأوجه ، وقد مر هذا مستوفى في أواخر الفاتحة وجوّز الزمخشري أن ينتصب على الحال. قال : «وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من : حقب عامنا إذا قلّ مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق ، فهو حقب وجمعه : «أحقاب» ، فينتصب حالا عنهم ، بمعنى : لابثين فيها حقبين جحدين». وتقدم الكلام على الحقب في سورة «الكهف» (١).
قال القرطبي (٢) : و «الحقبة» ـ بالكسر ـ : السّنة ، والجمع حقب ؛ قال متمم بن نويرة : [الطويل]
٥٠٧٥ ـ وكنّا كندماني جذيمة حقبة |
|
من الدّهر حتّى قيل : لن يتصدّعا (٣) |
والحقب ـ بالضم والسكون ـ : ثمانون سنة.
وقيل : أكثر من ذلك وأقل ، والجمع : «أحقاب».
قال الفراء : أصل الحقبة من الترادف والتتابع ، يقال : «أحقب» : إذا أردف ، ومنه الحقبة ، ومنه كل من حمل وزرا فقد احتقب ، فعلى هذا معناه : لابثين فيها أحقابا ، أي : دهورا مترادفة يتبع بعضهم بعضا.
فصل في تحرير معنى الآية
المعنى : ماكثين في النّار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، فكلّما مضى حقب جاء حقب ، و «الحقب» ـ بضمتين ـ : الدّهر ، والأحقاب : الدهور ، والمعنى : لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها ، فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليها ، إذ في الكلام ذكر الآخرة ، كما يقال : أيّام الآخرة ، أي : أيام بعد أيام إلى غير نهاية ، أي : لابثين فيها أزمانا ودهورا ، كلّما مضى زمن يعقبه زمن ، ودهر يعقبه دهر ، هكذا أبدا من غير انقطاع ، فكأنه
__________________
(١) الآية : ٦٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١١٦.
(٣) ينظر شعر متمم بن نويرة ص ١١١ ، والمفضليات ص ٥٣٥ ، والقرطبي ١٩ / ١١٦ ، ومجمع البيان ١٠ / ٦٤١.