قال الزمخشري : و «فعّال» في باب «فعّل» كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ، وسمعني بعضهم أفسر آية ، فقال : لقد فسرتها فسّارا ما سمع بمثله.
قال غيره : وهي لغة بعض العرب يمانية ؛ وأنشد : [الطويل]
٥٠٧٩ ـ لقد طال ما ثبّطتني عن صحابتي |
|
وعن حاجة قضّاؤها من شفائيا (١) |
يريد : تقضيتها ، والأصل على «التفعيل» ، وإنّما هو مثل «زكّى تزكية».
وسمع بعضهم يستفتي في حجه ، فقال : آلحلق أحبّ إليك أم القصّار؟ يريد التقصير.
قال الفراء : «هي لغة يمانية فصيحة ، يقولون : كذبت كذّابا ، وخرّقت القميص خرّاقا ، وكل فعل وزن «فعّل» ، فمصدره «فعّال» في لغتهم مشددة».
وقرأ علي والأعمش وأبو رجاء (٢) وعيسى البصري : بالتخفيف.
وهو مصدر أيضا ، إمّا لهذا الفعل الظاهر على حذف الزوائد ، وإمّا لفعل مقدر ك «أنبتكم من الأرض نباتا».
قال الزمخشري : «وهو مثل قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] يعني وكذبوا بآياتنا ، فكذبوا كذابا ، أو تنصبه ب «كذبوا» ؛ لأنه يتضمن معنى «كذّبوا» ، لأن كل مكذب بالحق كاذب ، وإن جعلته بمعنى المكاذبة ، فمعناه : وكذبوا بآياتنا ، فكاذبوا مكاذبة ، أو كذبوا بها مكاذبين ؛ لأنّهم كانوا عند المسلمين مكاذبين ، وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة ، أو لأنّهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب ، فعل من يغالب فيبلغ فيه أقصى جهده».
وقال أبو الفضل : وذلك لغة «اليمن» ، وذلك بأن يجعل مصدر «كذب» مخففا «كذبا» بالتخفيف مثل «كتب كتابا» فصار المصدر هنا من معنى الفعل دون لفظه ، مثل : «أعطيته عطاء».
قال شهاب الدّين (٣) : أمّا «كذب كذابا» بالتخفيف ، فهو مشهور ، ومنه قول الأعشى : [مجزوء الكامل]
٥٠٨٠ ـ فصدقتها وكذبتها |
|
والمرء ينفعه كذابه (٤) |
__________________
(١) ينظر معاني القرآن للفراء ٣ / ٢٢٩ ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٥ / ٢٧٤ ، والقرطبي ١٩ / ١١٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٦ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٦.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٢٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٦.
(٣) الدر المصون ٦ / ٤٦٦.
(٤) ينظر ابن يعيش ٦ / ٤٤ ، وشواهد الإيضاح ص ٦٠٦ ، واللسان (صدق) ، والكشاف ٤ / ٦٨٩ ، والقرطبي ١٩ / ١١٨ ، ومجاز القرآن ٢ / ٢٨٣ ، والكامل ٢ / ٢٣٠ ، والتاج (صدق) ، والطبري ٣٠ / ١٤ ، ومجمع البيان ١٠ / ٦٤١ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٦ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٦.