فصل في أنّ الله عدل في عقابه
لما ثبت أنه ـ تعالى ـ عدل لا يجور ، وثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفّار عدل ، وثبت أنّ الثّواب الذي أوصله إلى المؤمنين عدل ، وأنّه ما بخسهم حقّهم ، فبأيّ سبب يخاطبونه.
وقيل : الضمير يعود لأهل السماوات والأرض ، وإنّ أحدا من المخلوقين لا يملك مخاطبة الله ـ تعالى ـ ومكالمته.
قال ابن الخطيب (١) : وهذا هو الصواب.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) (٤٠)
قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ). منصوب على الظرف ، إمّا ب «لا يتكلّمون» بعده ، وإمّا ب «لا يملكون» و «صفّا» حال ، أي : مصطفّين ، و «لا يتكلّمون» إمّا حال أو مستأنف.
فصل في المراد بالروح
اختلفوا في الروح.
فقال ابن عباس : هو ملك ما خلق الله بعد العرش أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفّا ، وقام الملائكة كلهم صفّا (٢) ، ونحوه عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : الرّوح ملك أعظم من السموات السبع والأرضين السبع والجبال (٣).
وقيل : جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير (٤).
وروى عن ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : الرّوح في هذه الآية جند من جنود الله ليسوا ملائكة لهم رءوس وأيد وأرجل يأكلون الطّعام ، ثمّ قرأ : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا)(٥) ، وهذا قول أبي صالح ، ومجاهد ، وعلي ـ رضي الله عنهم ـ وعلى هذا هو خلق
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٢١.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤١٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٠٦) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤١٥).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤١٥) ، عن الضحاك والشعبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٠٦) ، عن الضحاك وعزاه إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٠٥) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ في «العظمة» وابن مردويه.