فصل في جمعه تعالى بين الشاكر والكفور
قال القرطبي (١) : «جمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة نفيا للمبالغة في الشكر ، وإثباتا لها في الكفر ؛ لأن شكر الله ـ تعالى ـ لا يؤدّى فانتفت عنه المبالغة ، ولم ينتف عن الكفر المبالغة فقلّ شكره لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قلّ مع الإحسان إليه ، حكاه الماوردي».
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢٢)
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ).
قرأ نافع والكسائي (٢) ، وهاشم ، وأبو بكر : بتنوين «سلاسلا» والباقون : بغير تنوين.
ووقف هؤلاء ، وحمزة ، وقنبل عليه بالألف بلا خلاف.
وابن ذكوان والبزي وحفص : بالألف وبدونها ـ يعني بلا ألف ـ والباقون : وقفوا بالألف بلا خلاف.
فقد تحصّل من هذا أن القراء على أربع مراتب ، منهم من ينون وصلا ويقف بالألف وقفا بلا خلاف وهما حمزة وقنبل ، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف بلا خلاف ، وهو أبو عمرو وحده ، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف تارة وبدونها أخرى ، وهم ابن ذكوان وحفص والبزي ، فهذا ضبط ذلك.
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٨٠.
(٢) ينظر : الحجة ٦ / ٣٤٨ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٠ ، وحجة القراءات ٤٣٧.