وقال ابن زيد : الحافرة «النّار» ، وقرأ : «تلك إذا كرّه خاسرة» (١).
وقال مقاتل وزيد بن أسلم : هي اسم من أسماء النار (٢).
وقال ابن عبّاس : الحافرة في كلام العرب : الأرض التي تغيّرت وأنتنت بأجساد موتاها (٣) ، من قولهم : حفرت أسنانه ، أي : تآكلت ، أي : دكها الوسخ من باطنها وظاهرها ، ويجوز تعلقه ب «مردودون» ، أو : بمحذوف على أنه حال.
فصل في تفسير الآية
قال ابن الخطيب (٤) : هذه الأحوال المتقدمة هي أحوال القيامة عند جمهور المفسرين.
وقال أبو مسلم : هذه الأحوال ليست هي أحوال القيامة ؛ لأنه فسّر «النّازعات» بنزع القوس ، و «النّاشطات» بخروج السّهم ، و «السّابحات» بعدو الفرس ، و «السّابقات» بسبقها ، و «المدبّرات» بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي ، والعدو ، ثم بنى على ذلك ، فقال : «الرّاجفة» هي خيل المشركين ، وكذلك «الرّادفة» ، وهما طائفتان من المشركين غزوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسبقت إحداهما الأخرى ، والقلوب الواجفة ، هي القلقة ، والأبصار الخاشعة ، هي أبصار المنافقين ، كقوله تعالى : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [محمد: ٢٠] ، كأنّه قيل : لمّا جاء خيل العدو ترجف ؛ لأنها اضطربت قلوب المنافقين خوفا ، وخشعت أبصارهم جبنا وضعفا ثم قالوا : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أي : نرجع إلى الدنيا حتى نتحمّل هذا الخوف لأجلها. وقالوا أيضا : (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ، فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المشركين ، وأوسطه حكاية لحال المنافقين ، وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر ، ثم إنه ـ تعالى ـ أجاب عن كلامهم بقوله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ).
قال ابن الخطيب (٥) : وكلام أبي مسلم محتمل ، وإن كان على خلاف قول الجمهور.
قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً).
قرأ الأخوان وأبو بكر (٦) : «ناخرة» بألف.
والباقون : «نخرة» بدونها.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨) ، عن ابن زيد.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٢٨).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر الفخر الرازي ٢١ / ٣٢.
(٥) الفخر الرازي ٣١ / ٣٣.
(٦) ينظر : السبعة ٦٧٠ ، ٦٧١ ، والحجة ٦ / ٣٧١ ، وإعراب القرارات ٢ / ٤٣٥ ، وحجة القراءات ٧٤٨.