قال القفال (١) : وهذا كأنّه هو الأظهر ؛ لأنّه ـ تعالى ـ قال : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى فَكَذَّبَ وَعَصى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) فذكر القصتين ، ثم قال : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى).
فظهر أنّ المراد : أنّه عاقبه على هذين الأمرين.
ثمّ إنّه ـ تعالى ـ ختم هذه القصة بقوله :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) ، إنّ فيما قصصنا عليك اعتبارا وعظة لمن يخاف.
قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(٣٣)
قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) ، يريد : أهل «مكّة» ، أي : أخلقكم بعد الموت أشدّ في تقديركم أم السماء؟.
فمن قدر على خلق السّماء على عظمها ، وعظم أحوالها ، قدر على الإعادة ، وهذا كقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧].
والمقصود من الآية الاستدلال على منكري البعث ، ونظيره قوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس : ٨١].
ومعنى الكلام : التقريع والتوبيخ.
ثم وصف تعالى السماء ، فقال : (أَمِ السَّماءُ بَناها) ، عطف على «أنتم» ، وقوله : «بناها» بيان لكيفيّة خلقه إياها ، فالوقف على «السّماء» ، والابتداء بما بعدها ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ في «الزخرف» : (أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) [الزخرف : ٥٨].
وقوله : (رَفَعَ سَمْكَها) جملة مفسرة لكيفية البناء ، «والسّمك» : «الارتفاع».
قال الزمخشريّ (٢) : «جعل مقدار ذهابها في سمت العلوّ مديدا رفيعا».
وسمكت الشيء : رفعته في الهواء ، وسمك هو ، أي : ارتفع سموكا ، فهو قاصر ومتعدّ ، وبناء مسموك ، وسنام سامك تامك ، أي : عال مرتفع ، وسماك البيت ما سمكته به ، والمسموكات : السماوات ويقال : اسمك في الدّيم ، أي : اصعد في الدرجة ، والسماك : نجم معروف ، وهما اثنان ، رامح وأعزل ؛ قال الشاعر : [الكامل]
٥٠٩٩ ـ إنّ الذي سمك السّماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٣) |
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٤٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٩٦.
(٣) تقدم.