وقال البغويّ (١) : «رفع سمكها» أي : سقفها.
فصل في الكلام على هذه الآية
قال الكسائيّ والفراء والزجاج : هذا الكلام تم عند قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ، قال : لأنّه من صلة السماء ، والتقدير : «أم السماء التي بناها» فحذف «التي» ، ومثل هذا الحذف جائز.
قال القفال (٢) : يقال : الرجل جاءك عاقل ، أي : الرجل الذي جاءك عاقل ، وإذا ثبت جواز ذلك في اللغة ، فنقول : الدّليل على أن قوله تعالى : «بناها» صلة لما قبله ، أنّه لو لم يكن صلة لكان صفة ، فقوله : «بناها» صفة ، ثم قوله : «رفع سمكها» صفة ، فقد توالت صفتان ، لا تعلّق لإحداهما بالأخرى ، فكان يجب إدخال العاطف بينهما ، كما في قوله : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) ، ولمّا لم يكن كذلك ، علمنا أنّ قوله : «بناها» صلة للسّماء ، فكان التقدير : «أم السّماء التي بناها» ، وهذا يقتضي وجود سماء ما بناها الله ، وذلك باطل.
وقوله (فَسَوَّاها) أي : خلقها خلقا مستويا ، لا تفاوت فيه ، ولا فطور ، ولا شقوق.
فصل فيمن استدل بالآية على أن السماء كرة
قال ابن الخطيب (٣) : واستدلّوا بهذه الآية على كون السّماء كرة ، قالوا : لأنه لو لم تكن كرة لكان بعض جوانبها سطحا ، والبعض زاوية والبعض خطّا ، ولكان بعض أجزائه أقرب إلينا ، والبعض الآخر أبعد ، فلا تحصل التّسوية الحقيقية ، ثمّ قالوا : لما ثبت أنّها محدثة مفتقرة إلى فاعل مختار ، فأيّ ضرر في الدّين ينافي كونها كرة.
قوله تعالى : (وَأَغْطَشَ). أي أظلم بلغة أنمار ، يقال : غطش الليل ، وأغطشته أنا ؛ قال : [المتقارب]
٥١٠٠ ـ عقرت لهم ناقتي موهنا |
|
فليلهم مدلهمّ غطش (٤) |
وليل أغطش ، وليلة غطشاء.
قال الراغب : وأصله من الأغطش ، وهو الذي في عينه شبه عمش ، ومنه فلاة غطشى لا يهتدى فيها ، والتّغاطش : التّعامي انتهى.
ويقال : أغطش اللّيل قاصرا ك «أظلم» ، ف «أفعل» فيه متعدّ ولازم ، فالغطش والغتش : الظّلمة ، ورجل أغطش ، أي : أعمى ، أو شبيه به ، وقد غطش ، والمرأة :
__________________
(١) معالم التنزيل ٤ / ٤٤٥.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٤١.
(٣) السابق ٣١ / ٤٣.
(٤) ينظر القرطبي ١٩ / ١٣٣ ، والدر المصون ٦ / ٤٧٥.