فصل
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان ، وكان قبل أن يخلق الدّنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت (١).
وحكى القرطبي (٢) عن بعض أهل العلم أنّ «بعد» هنا في موضع : «مع» ، كأنّه قال: والأرض مع ذلك دحاها ، كقوله تعالى : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم : ١٣] ، ومنه قولهم: «أنت أحمق ، وأنت بعد هذا سيّىء الخلق» ؛ وقال الشاعر : [الطويل]
٥١٠٤ ـ فقلت لها : عنّي إليك فإنّني |
|
حرام ، وإنّي بعد ذاك لبيب (٣) |
أي : مع ذلك.
وقيل : «بعد» بمعنى : «قبل» ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء : ١٠٥] أي : من قبل الفرقان ؛ قال أبو كثير : [الطويل]
٥١٠٥ ـ حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا |
|
خراش وبعض الشّرّ أهون من بعض (٤) |
وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة.
وقيل : «دحاها» حرثها وشقّها ، قاله ابن زيد.
وقيل : «دحاها» مهّدها للأقوات ، والمعنى متقارب.
قوله : (أَخْرَجَ). فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون تفسيرا.
والثاني : أن يكون حالا.
قال الزمخشري (٥) : فإن قلت هلّا أدخل حرف العطف على «أخرج»؟ قلت : فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون «دحاها» بمعنى : بسطها ، ومهّدها للسّكنى ، ثم فسّر التّمهيد بما
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٣٨) ، من طريق عكرمة عن ابن عباس وينظر تفسير القرطبي (١٩ / ١٣٣).
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٣٣.
(٣) تقدم.
(٤) البيت ليس لأبي كبير الهذلي ، ولكنه لأبي خراش الهذلي من قصيدة قالها عند ما قتل أخوه عروة ونجا أبو خراش من الموت.
ينظر ديوان الهذليين ٢ / ١٥٧ ، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ١ / ٣٢٦ ، وشرح المفصل ٣ / ١١٧ ، والطبري ٣٠ / ٢٩ ، والقرطبي ١٩ / ١٣٣.
(٥) ينظر الكشاف ٤ / ٦٩٧.