روى الضحاك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ قال : أمّا من طغى فهو أخ لمصعب بن عمير ، أسر يوم بدر ، فأخذته الأنصار ، فقالوا : من أنت؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدوه في الوثاق ، وأكرموه ، وبيتوه عندهم ، فلمّا أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير حديثه ، فقال: ما هو لي بأخ ، شدّوا أسيركم ، فإنّ أمّه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا ، فأوثقوه حتى بعثت أمه في فدائه (١).
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فمصعب بن عمير ، وقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه يوم «أحد» حين تفرّق الناس عنه ، حتى نفذت المشاقص في جوفه ، وهي السّهام ، فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشحطا في دمه ، قال : «عند الله أحتسبه». وقال صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإنّ شراك نعليه من ذهب».
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «نزلت هذه الآية في رجلين : أبو جهل بن هشام ، ومصعب بن عمير» (٢).
وقال السديّ : نزل قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) في أبي بكر الصديق رضي الله عنه (٣).
وقال الكلبيّ : هما عامّتان.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٤٦)
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها). لما سمع المشركون أخبار القيامة ، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل : (الطَّامَّةُ الْكُبْرى) ، و «الصّاخّة» ، و «القارعة» ، سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم استهزاء ، متى تكون الساعة؟.
وقيل : يحتمل أن يكون ذلك إيهاما لإيقاعهم أنّه لا أصل لذلك ، ويحتمل أنّهم كانوا يسألونه عن وقت القيامة استعجالا كقوله : (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨].
وقوله : (أَيَّانَ مُرْساها) ، أي : إقامتها ، والمعنى : أيّ شيء يقيمها ويوجدها ، ويكون المعنى : أيان منتهاها ومستقرها ، كما أنّ مرسى السفينة : مستقرّها الذي تنتهي إليه فأجابهم الله ـ تعالى ـ بقوله : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها).
قوله «فيم» خبر مقدم ، و «أنت» مبتدأ مؤخر ، و «من ذكراها» متعلق بما تعلق به الخبر ، والمعنى : أنت في أي شيء من ذكراها ، أي : ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٣٥) ، من طريق الضحاك عن ابن عباس.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر المصدر السابق.