تخصّه بالغلظة ، وأمّا كونه مأذونا له في تأديب أصحابه ، لكن هنا لمّا أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء ، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدّين ، فلهذا السبب عوتب (١).
فصل فيمن استدل بالآية على جواز صدور الذنوب من الأنبياء
قال ابن الخطيب (٢) : تمسّك القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بهذه الآية.
وقالوا : لمّا عوتب النبيّ صلىاللهعليهوسلم على ذلك الفعل دلّ على أنّه كان معصية.
قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لما ذكرنا في الجواب عن الأول ، وأيضا : فإن هذا من باب الاحتياط وترك الأفضل.
قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ؛ الظاهر أنه أجرى التّرجي مجرى الاستفهام ، لما بينهما من معنى الطّلب في التّعليق ، لأن المعنى منصب على تسليط الدراية على التّرجي ، إذ التقدير : لا يدري ما هو مترجّى منه التركيب ، أو التذكر.
وقيل : الوقف على «يدري» ، والابتداء بما بعده على معنى : وما يطلعك على أمره ، وعاقبة حاله ، ثم ابتدأ ، فقال : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى).
فصل في تحرير الضمير في قوله : «لعله»
قيل : الضمير في «لعلّه» للكافر ، يعني : لعل إذا طمعت في أن يتزكّى بالإسلام.
(أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) أي : قبول الحق ، (وَما يُدْرِيكَ) أنّ ما طمعت فيه كائن ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الأنعام : ٥٢].
وقوله : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٢٨].
قوله : (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى).
قرأ عاصم : «فتنفعه» بالنصب.
والباقون (٣) : بالرفع.
فمن رفع ، فهو نسق على قوله : «أو يذّكر».
ومن نصب ، فعلى جواب التّرجي كقوله في «المؤمن» (٤) : (فَأَطَّلِعَ) [غافر : ٣٧] ، وهو مذهب كوفي وقد تقدم الكلام عليه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٤٤٤) ، مختصرا وذكره بتمامه القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٣٩) ، عن ابن زيد.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥١.
(٣) ينظر : السبعة ٦٧٢ ، والحجة ٦ / ٣٧٦ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٣٩ ، وحجة القراءات ٧٤٩.
(٤) يعني سورة «غافر».