وقال ابن الأنباريّ : الوقف على «كلّا» قبيح ، والوقف على «أمره» و «نشره» جيد ، ف «كلا» على هذا بمعنى حقّا.
قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٢)
قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ).
قال ابن الخطيب (١) : اعلم أنّ عادة الله ـ تعالى ـ جارية في القرآن الكريم ، كلما ذكر دلائل الأنفس يذكر عقبها دلائل الآفاق ، فبدأ ـ هاهنا ـ بما يحتاج الإنسان إليه.
واعلم أنّ النّبت إنّما يحصل من القطر النازل من السماء الواقع في الأرض ، فالسماء كالذّكر ، والأرض كالأنثى ، فبيّن نزول الماء من السماء إلى الأرض بقوله : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ).
وقال القرطبي (٢) : لمّا ذكر تعالى ابتداء خلق الإنسان ، ذكر ما يسّر من رزقه ، أي : فلينظر كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته ، وكيف هيأ له أسباب المعاش ليستعد بها للمعاد ، وهذا النظر نظر القلب بالفكر ، والتدبر.
قال الحسن ومجاهد : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) أي : إلى مدخله ومخرجه (٣).
روى الضحاك بن سفيان الكلابي ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا ضحّاك ، ما طعامك»؟ قلت : يا رسول الله ، اللّحم واللّبن ، قال : «ثمّ يصير إلى ماذا»؟ قلت : إلى ما قد علمته ، قال : «فإنّ الله ـ تعالى ـ ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدّنيا» (٤).
وقال أبو الوليد : سألت ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ عن الرجل يدخل الخلاء ، فينظر ما يخرج منه ، قال : يأتيه الملك فيقول : انظر ما بخلت به إلى ما صار (٥).
واعلم أنّ الطعام الذي يتناوله الإنسان له حالتان :
إحداهما متقدمة ، وهي التي لا بد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود.
__________________
(١) الفخر الرازي ٣١ / ٥٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ١٤٣.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٤٤) ، ومثله عن ابن الزبير ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢١) ، وعزاه إلى ابن المنذر.
(٤) أخرجه أحمد (٣ / ٤٥٢) ، والطبراني في «الكبير» (٨ / ٣٥٩) ، من حديث الضحاك بن سفيان الكلابي.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٢٩١) ، وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان وقد وثق.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٤٤) ، وروي بمعناه عن أبي قلابة ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢١) ، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.