وابن محيصن (١) والزهري ، وابن أبي عبلة وحميد ، وابن السميفع : «يعنيه» بفتح الياء والعين المهملة من قولهم : عناني في الأمر ، أي : قصدني.
فصل في معنى الآية
قوله : «يفرّ» ، أي : يهرب في يوم مجيء الصاخّة ، «من أخيه» أي : من موالاة أخيه ، ومكالمته لأنه مشتغل بنفسه ، لقوله بعده : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) ، أي : يشغله عن غيره.
وقيل : إنّما يفرّ حذرا من مطالبتهم إياه بالتبعات ، يقول الأخ : ما واسيتني بمالك ، والأبوان يقولان : قصرت في برنا ، والصاحبة تقول : أطعمتني الحرام ، والبنون يقولون : ما علمتنا.
وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ، ولا يغنون عنه شيئا ، لقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) [الدخان : ٤١].
وقال عبد الله بن طاهر : يفرّ منهم لمّا تبين له عجزهم ، وقلّة حيلتهم.
وذكر الضحاك عن ابن عباس ، قال : يفر قابيل من أخيه هابيل ، ويفرّ النبي من أمّه ، ويفرّ إبراهيم من أبيه ، ونوح من ابنه ، ولوط من امرأته ، وآدم من سوءة بنيه (٢).
قال ابن الخطيب (٣) : المراد : أن الذين كان المرء يفرّ إليهم في دار الدنيا ، ويستجير بهم ، فإنه يفرّ منهم في دار الآخرة ، وذكروا في فائدة الترتيب كأنّه قيل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) ، بل من أبويه ، فإنهما أقرب من الأخوين ، بل من الصّاحبة والولد ؛ لأنّ تعلّق القلب بهما أشدّ من تعلّقه بالأبوين. ثم لمّا ذكر الفرار أتبعه بذكر سببه فقال تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).
قال ابن قتيبة : «يغنيه» أي : يصرفه عن قرابته ، ومنه يقال : أغن عنّي وجهك ، أي : اصرفه.
وقال أهل المعاني : إنّ ذلك الهم الذي حصل له قد ملأ صدره ، فلم يبق فيه متسع لهمّ آخر ، فصار شبيها بالغني في أنه ملك شيئا كثيرا.
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ). لمّا ذكر تعالى حال يوم القيامة في الهول بيّن أن المكلفين فيه على قسمين : سعداء ، وأشقياء ، فوصف سبحانه السعيد بقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) أي : مضيئة مشرقة ، وقد علمت ما لها من الفوز ، والنعيم ، من أسفر الصبح : إذا أضاء ، وهي وجوه المؤمنين «ضاحكة» أي : مسرورة فرحة.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٤٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٢١ ، والدر المصون ٦ / ٤٨٢.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٤٦).
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥٩.