وقوله تعالى : «أنا عند المنكسرة قلوبهم» ، وقوله سبحانه : (مَكِينٍ) : قال الكسائي: يقال : مكن فلان عند فلان ـ بضم الكاف ـ تمكّنا ومكانة ، فعلى هذا هو ذو الجاه الذي يعطى ما يسأل.
قوله تعالى : (مُطاعٍ ثَمَّ) ؛ أي : في السموات.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : من طاعة الملائكة جبريل ـ عليهالسلام ـ أنّه لمّا أسري برسول الله صلىاللهعليهوسلم قال جبريل لرضوان خازن الجنان : افتح له ففتح ، فدخلها ، فرأى ما فيها وقال لمالك خازن النار : افتح له ففتح ، فدخلها ، ورأى ما فيها (١).
وقوله تعالى : (أَمِينٍ) ، أي : مؤتمن على الوحي الذي يجيء به.
ومن قال : إن المراد محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : «ذي قوة» على تبليغ الوحي «مطاع» أي : يطيعه من أطاع الله عزوجل.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) حتى يتّهم في قوله ، وهو من جواب القسم والضمير في قوله : «إنّه» يعود إلى القرآن الذي نزل به جبريل ـ عليهالسلام ـ على محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : يعود إلى الذي أخبركم به محمد صلىاللهعليهوسلم من أنّ أمر الساعة في هذه السورة ليس بكهانة ، ولا ظنّ ، ولا افتعال ، إنما هو قول جبريل أتاه به وحيا من الله تعالى.
فصل فيمن استدل بالآية على تفضيل جبريل على سيدنا محمد
قال ابن الخطيب (٢) : احتج بهذه الآية من فضل جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ على محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : إذا وازنت بين قوله سبحانه : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ، وبين قوله تعالى : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) ظهر التفاوت العظيم.
قوله : «عند ذي» : يجوز أن يكون نعتا ل «رسول» ، وأن يكون حالا من «مكين» ، وأصله الوصف ، فلما قدم نصب حالا.
قوله : (ثَمَّ أَمِينٍ). العامة : على فتح الثّاء ؛ لأنه ظرف مكان للبعد ، والعامل فيه «مطاع».
وأبو البرهسم (٣) ، وأبو جعفر وأبو حيوة : بضمها ، جعلوها عاطفة ، والتراخي هنا في الرتبة ؛ لأن الثانية أعظم من الأولى.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ، أي : لقد رأى جبريل في صورته في ستمائة
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٣٠) وعزاه إلى ابن المنذر.
(٢) الفخر الرازي ٣١ / ٦٨.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٤٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٢٦ ، والدر المصون ٦ / ٤٨٧.