فهذه يحتمل الزيادة ويحتمل أن تكون بمعنى «من».
وقال الفراء : «يشربها ويشرب بها سواء في المعنى ، وكأن يشرب بها : يروى بها ، وينفع بها ، وأما يشربونها فبيّن ، وأنشد قول الهذلي ، قال : ومثله : يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا».
والجملة من قوله «يشرب بها» في محل نصب صفة ل «عينا» إن جعلنا الضمير في «بها» عائدا على «عينا» ولم نجعله مفسرا لناصب كما قاله أبو البقاء ، و «يفجرونها» في موضع الحال.
فصل في المراد بعباد الله هاهنا
قال ابن الخطيب (١) : قوله (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) يفيد أن كل عباد الله يشربون منها ، والكفار بالاتفاق لا يشربون منها فدل على أن لفظ عباد الله مختص بأهل الإيمان ، وإذا ثبت هذا فقوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] لا يتناول الكفار ، بل يختص بالمؤمنين ، فيصير تقدير الآية : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، ولا تدل الآية على أنه ـ تعالى ـ لا يريد الكفر للكفار.
قوله : (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً). أي : يشققونها شقّا كما يفجر الرجل النّهر هاهنا وهاهنا إلى حيث شاءوا ، ويتبعهم حيث مالوا مالت معهم.
روى القرطبي (٢) عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أربع عيون في الجنّة اثنان يجريان من تحت العرش ؛ إحداهما الّتي ذكر الله تعالى يفجّرونها تفجيرا وعينان يجريان من فوق العرش نضّاختان : إحداهما الّتي ذكر الله تعالى سلسبيلا ، والأخرى : التّسنيم» (٣) ذكره الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول».
وقال : فالتّسنيم للمقربين خاصة ، شرابا لهم ، والكافور للأبرار شرابا لهم ، يمزج للأبرار من التسنيم شرابهم ، وأما الزّنجبيل والسّلسبيل فللأبرار [منها مزاج هكذا ذكره في التنزيل وسكت عن ذكر ذلك لمن هي شرب فما كان للأبرار مزاج](٤) للمقربين صرف ، وما كان للأبرار صرف فهو لسائر أهل الجنة مزاج ، والأبرار هم الصادقون والمقربون : هم الصديقون.
قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) يجوز أن يكون مستأنفا لا محلّ له ألبتة ، ويجوز أن يكون خبرا ل «كان» مضمرة.
__________________
(١) ينظر الرازي ٣ / ٢١٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٨٣.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٨٨) وعزاه إلى الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول».
(٤) سقط من : ب.