قال الفراء : التقدير «كانوا يوفون بالنّذر في الدنيا ، وكانوا يخافون» انتهى. وهذا لا حاجة إليه.
الثالث : جواب لمن قال : ما لهم يرزقون ذلك؟.
قال الزمخشري : «يوفون» جواب من عسى يقول : ما لهم يرزقون ذلك؟.
قال أبو حيان (١) : «واستعمل «عسى» صلة ل «من» وهو لا يجوز ، وأتى بالمضارع بعد «عسى» غير مقرون ب «أن» وهو قليل أو في الشعر».
فصل في معنى الآية
معناه : لا يخلفون إذا نذروا ، وقال معمر عن قتادة : يأتون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات (٢).
وقال مجاهد وعكرمة : يوفون إذا نذروا في حق الله تعالى (٣).
وقال الفراء والجرجاني : وفي الكلام إضمار ، أي : كانوا يوفون بالنذر في الدنيا والعرب قد تزيد مرة «كان» وتحذف أخرى.
وقال الكلبي : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) أي : يتممون العهود لقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) [النحل : ٩١] ، و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] أمر بالوفاء بها ؛ لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان.
قال القرطبي (٤) : «والنذر : حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه [من شيء يفعله ، وإن شئت قلت في حد النذر هو إيجاب المكلف على نفسه](٥) من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه».
وقال ابن الخطيب (٦) : الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافيا.
وقال أبو مسلم : النذر كالوعد ، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر ، وإن كان من الله فهو وعد ، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن تقول : لله عليّ كذا وكذا من الصدقة ، أو يسلم بأمر يلتمسه من الله ـ تعالى ـ مثل أن تقول : إن شفى الله مريضي ، أو ردّ غائبي
__________________
(١) ينظر البحر المحيط ٨ / ٣٩٥.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٥٩) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٨٣) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٥٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٨٣) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٨٣.
(٥) سقط من ب.
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٢١٤.