تكذّبون بيوم الدين وهو يوم الحساب والجزاء ، وملائكة الله ـ تعالى ـ موكّلون بكم ، يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ، ونظيره : قوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٧ ، ١٨] وقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) [الأنعام : ٦١]
فصل في الرد على من طعن في حضور الكرام الكاتبين
قال ابن الخطيب : من الناس من طعن في حضور الكرام الكاتبين من وجوه :
الأول : لو كان الحفظة ، وصحفهم وأقلامهم معنا ، ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال ، وأشخاص لا نراهم ، وذلك دخول في الجهالات.
والثاني : هذه الكتابة ، والضبط إن كان لا لفائدة فهو عبث ، وهو غير جائز على الله تعالى ، وإن كان لفائدة ، فلا بد وأن تكون للعبد ؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ متعال عن النفع والضر ، وعن تطرق النسيان إليه ، وغاية ذلك أنّه حجّة على الناس وتشديد عليهم لإقامة الحجّة ، لكن هذا ضعيف ؛ لأنّ من علم أنّ الله تعالى لا يجور ، ولا يظلم ، لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة ، والذي لا يعلم لا ينتفع بهذه الحجة ، لاحتمال أنّه تعالى أمرهم بذلك ظلما.
الثالث : أنّ أفعال القلوب غير مرئية ، فهي من باب المغيبات ، والله ـ تعالى ـ مختص بعلم الغيب ، فلا تكتبوها ، والآية تقتضي ذلك.
والجواب عن الأول : أنّ البنية عندنا ليست شرطا في قبول الحياة ؛ ولأن عند سلامة الأعضاء ، وحصول جميع الشرائط لا يجب الإدراك ، فيجوز على الأوّل : أن يكونوا أجراما لطيفة ، تتمزق ، وتبقى حياتها ذلك ، وعلى الثاني : يجوز أن يكونوا أجراما كثيفة ، ونحن لا نراهم.
وعن الثاني : أن الله ـ تعالى ـ أجرى أموره على عباده على ما يتعارفونه في الدنيا فيما بينهم ؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى عندهم في إخراج كتاب ، وشهود في إلزام الحجة ، كما يشهد العدول عند الحاكم على القضاة.
وعن الثالث : أن ذلك مخصوص بأفعال الجوارح ، فهو عام مخصوص ، وفي مدح الحفظة ، ووصفهم بهذه الصفات تعظيم لأمر الجزاء ، وأنّه من جلائل الأمور.
فصل في عموم الخطاب
هذا الخطاب وإن كان خطاب مشافهة إلّا أنّ الأمّة أجمعت على عموم هذا الحكم في حقّ المكلّفين.
وقوله تعالى : (لَحافِظِينَ) : جمع يحتمل أن يكونوا حافظين لجميع بني آدم ، من غير أن