بإضمار «أعني» ، أو هو مرفوع المحل لإضافته للفعل وإن كان مضارعا ، كما هو رأي الكوفيين ، ويدل على صحة هذين الوجهين ، قراءة (١) زيد بن عليّ : «يوم يقوم» بالرفع ، وما حكاه أبو معاذ (٢) القارىء : «يوم» بالجر على ما تقدّم.
فصل في المراد بقيام الناس لرب العالمين
قيام الناس لرب العالمين إمّا للحساب ، وإمّا قيامهم من القبور.
وقال أبو مسلم (٣) : قيامهم له عبارة عن طاعتهم له وانقيادهم ، كقوله تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩] ، وفي الحديث : «إنّ النّاس يقومون مقدار ثلاثمائة سنة لا يؤمر فيهم بأمر» (٤).
وعن ابن عباس : وهو في حقّ المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة (٥). وفي هذه الآيات مبالغات ، منها أنّ الويل إنما يذكر عند شدة البلاء ، ومنها الإنكار بقوله تعالى : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) ، ومنها استعظامه ـ تعالى ـ لليوم ، ومنها تأكيده بما بعده ، وما يوهم ذلك ، وما يقتضيه من خضوعهم وذلتهم ، وفي هذا نكتة ، وهي كأن قائلا يقول : هذا التشديد العظيم ، والوعيد البليغ ، كيف يكون على التطفيف مع نزارته ، وزهادته ، وكرم المولى وإحسانه؟.
فأشار بقوله : (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) إلى أنّه مربيهم ومسئول عن أمورهم ، فلا يليق أن يهمل من أمورهم شيئا.
فصل في الكلام على لفظ «المطفف»
قال القشيري : لفظ المطفّف يتناول التطفيف في الوزن والكيل ، وفي إظهار العيب ، وإخفائه ؛ وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه ، فليس بمنصف ، والمباشرة والصحبة من هذه المادة ، والذي يرى عيب الناس ، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة ، ومن طلب حقّ نفسه من الناس ، ولا يعطيهم حقوقهم ، كما يتطلبه.
قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ)(٩)
قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ).
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٣٢ ، والدر المصون ٦ / ٤٩١.
(٢) ينظر السابق.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٨٣.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٣٧) وعزاه إلى ابن مردويه عن أبي هريرة.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره (٣١ / ٨٣) عن ابن عباس.