قوله : (وَأَلْقَتْ ما فِيها). أي : أخرجت ما فيها من الموتى والكنوز ، لقوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢] ، «وتخلّت» أي : خليت منها ، ولم يبق في بطنها شيء ، وذلك يؤذن بعظم الأمر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة ، ووصفت الأرض بذلك توسعا وإلا فالتحقيق أنّ الله تبارك وتعالى هو المخرج لتلك الأشياء من بطن الأرض.
قوله تعالى : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ). تقدّم تفسيره ، وهذا ليس بتكرار ؛ لأن الأوّل في السماء وهذا في الأرض.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥))
قوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ).
قيل : المراد جنس الإنسان (١) ، كقولك : يا أيها الرجل ، فكان خطابا خص به كل واحد من الناس.
قال القفال (٢) : وهو أبلغ من العموم ؛ لأنه قائم مقام التنصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين ، بخلاف اللفظ العام.
وقيل : المراد منه رجل بعينه ، فقيل : هو محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، والمعنى : أنك تكدح في إبلاغ رسالات الله ـ تعالى ـ وإرشاد عباده ، وتحمل الضرر من الكفّار ، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل.
وقال ابن عبّاس : هو أبيّ بن خلف ، وكدحه : هو جده واجتهاده في طلب الدنيا ، وإيذاء الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والإصرار على الكفر (٣).
فصل في المراد بالكدح
الكدح : قال الزمخشريّ (٤) : جهد النفس ، والكدم فيه حتى يؤثر فيها ، ومنه كدح جلده إذا خدشه ، ومعنى «كادح» أي : جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت. انتهى. وقال ابن نفيل : [الطويل]
٥١٣٧ ـ وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما |
|
أموت ، وأخرى أبتغي العيش أكدح (٥) |
__________________
(١) في أالناس.
(٢) الفخر الرازي ٣١ / ٩٦.
(٣) ينظر المصدر السابق عن ابن عباس.
(٤) الكشاف ٤ / ٧٢٦.
(٥) تقدم.