فيحتمل الأمرين ، أي : ساقني من حالة إلى أخرى ، أو ساقني من أمّة ناس إلى أمّة ناس آخرين ، ويكون نصب «طبقا» على المعنيين على التشبيه بالظرف أو الحال ، أي : متنقلا ، والطبق أيضا : ما طابق الشيء أي : ساواه ، [ومنه دلالة المطابقة.
قال امرؤ القيس :
٥١٤٩ ـ ديمة هطلا (١)
والطبق من الجراد أي الجماعة](٢).
قوله : «عن طبق» : في «عن» هذه وجهان :
أحدهما : أنها في محل نصب على الحال من فاعل «تركبن».
والثاني : أنّها صفة ل «طبقا».
وقال الزمخشري (٣) : فإن قلت : ما محل «عن طبق»؟ قلت : النصب على أنه صفة ل «طبقا» ، أي : طبقا مجاوزا لطبق ، [أو حال من الضمير في «لتركبن» ، أي : لتركبن طبقا مجاوزين لطبق ، أو مجاورا](٤) ، أو مجاورة على حسب القراءة.
وقال أبو البقاء (٥) : و «عن» بمعنى : «بعد» ؛ قال : [الكامل]
٥١٥٠ ـ ما زلت أقطع منهلا عن منهل |
|
حتّى أنخت بباب عبد الواحد (٦) |
لأن الإنسان إذا صار من شيء إلى شيء ، يكون الثاني بعد الأول فصلحت «بعد» و «عن» للمجاوزة ، والصحيح أنها على بابها ، وهي صفة ، أي : طبقا حاصلا عن طبق ، أي : حالا عن حال. وقيل : جيلا عن جيل. انتهى.
يعنى الخلاف المتقدم في الطبق ما المراد به ، هل هو الحال ، أو الجيل ، أو الأمة كما تقدم نقله؟ وحينئذ فلا نعرب طبقا مفعولا به ، بل حالا ، كما تقدم ، لكنه لم يذكر في طبق غير المفعول به ، وفيه نظر ، لما تقدم من استحالته ، يعني إذ يصير التقدير : لتركبن طبقة أمّة عن أمّة ، فتكون الأمة مركوبة لهم ، وإن كان يصح على تأويل بعيد جدا وهو حذف مضاف ، أي : لتركبن سنن ، أو طريقة طبق بعد طبق.
فصل في حدوث العالم
هذا أدلّ دليل على «حدوث العالم» وإثبات الصانع.
__________________
(١) ينظر ديوانه (٧٨) ، والبحر ٨ / ٤٣٧ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٠.
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٢٨.
(٤) سقط من أ.
(٥) الإملاء ٢ / ٢٨٤.
(٦) ينظر الفخر الرازي ٣١ / ١١٢.