قالت الحكماء : من كان اليوم على حاله ، فليعلم أن تدبيره إلى سواه.
وقيل لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أنّ لهذا العالم صانعا؟ فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوّة ، وضعف الأركان وقهر النية ونسخ العزيمة.
قوله : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضّحت لهم الآيات والدّلالات ، وهذا استفهام إنكار.
وقيل : تعجب أي : اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات.
وقوله تعالى : (لا يُؤْمِنُونَ) حال.
قال ابن الخطيب (١) : فما لهم لا يؤمنون بالبعث والقيامة ، وهو استفهام إنكار ، وإنّما يحسن عند ظهور الحجّة ، وذلك أنه ـ تعالى ـ أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر ، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها ، وهو ضوء النهار ، ولما بعدها وهو ظلمة الليل ، وكذا قوله : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) فإنه يدل على حدوث ظلمة بعد نور ، وعلى تغييرات أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النّوم ، وكذا قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد نقصانه ، ثم إنه أقسم ـ تعالى ـ بهذه الأحوال المتغيرة على تغيير أحوال الخلق ، وهذا يدل قطعا على صحة القول بالبعث ، لأن القادر على تغيير الأحوال العلوية والسفلية من حال إلى حال بحسب المصالح ، لا بد وأن يكون قادرا ، ومن كان كذلك لا محالة قادر على البعث والقيامة ، فلما كانت هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة بصحة البعث ، لا جرم قال تعالى على سبيل الاستبعاد : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
فصل في الكلام على الآية
قال القاضي (٢) : «لا يجوز أن يقول الحكيم لمن كان عاجزا عن الإيمان : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، وهذا يدل على كونهم قادرين ، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل ، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم ، وأن لا يكون تعالى خالقا للكفر فيهم ، فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها ألبتة». وجوابه تقدم.
قوله : (وَإِذا قُرِئَ) شرط ، جوابه (لا يَسْجُدُونَ) ، وهذه الجملة الشرطية في محل نصب على الحال نسقا على ما قبلها ، أي : فما لهم إذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون ، أي : لا يصلون قاله ابن عباس ، وعطاء ، والكلبي ، ومقاتل [وقال أبو مسلم : المراد الخضوع والاستكانة.
وقيل : المراد نفس السجود لما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سجد فيها (٣).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٠١.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) تقدم.