وقال تعالى : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم : ٣٩] ، ولا شك أن التماس الشكر من جنس المنّ والأذى ، إذا عرفت ذلك فنقول : القوم لما قالوا : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) بقي فيه احتمال ، أنه أطعمه لوجه الله ولسائر الأغراض على سبيل التشريك ، فلا جرم نفى هذا الاحتمال بقوله تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً).
فصل في الشكور والكفور
الشّكور والكفور : مصدران ك «الشكر والكفر» وهو على وزن «الدّخول والخروج» هذا قول جمهور أهل اللغة.
وقال الأخفش : إن شئت جعلت الشكور ، جماعة الشكر ، وجعلت الكفور في قوله تعالى : (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) مثل «برد وبرود» وإن شئت جعلته مصدرا واحدا في معنى جمع مثل : قعد قعودا ، وخرج خروجا.
قوله : (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لإرادة مكافأتهم.
والثاني : لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى علّل ترك المكافأة بخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة.
فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ لما حكى عنهم الإيفاء بالنذر ، علّل ذلك بخوف القيامة فقط ، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين : بطلب رضا الله تعالى ، وبالخوف ، فما الحكمة في ذلك؟.
فالجواب : أن النذر هو الذي أوجبه على نفسه لأجل الله ، فلما كان كذلك ، لا جرم علله بخوف القيامة فقط ، وإما الإطعام فالله ـ تعالى ـ هو الذي شرعه ، فلا جرم ضم إليه خوف القيامة.
قوله : (يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً). القمطرير : الشديد ، وأصله كما قال الزجاج : «مشتق من اقمطرّت الناقة إذا رفعت ذنبها ، وجمعت قطريها وزمت بأنفها».
قال الزمخشري : اشتقاقه من القطر ، وجعلت الميم زائدة (١) ؛ قال أسد بن ناعصة : [الخفيف]
٥٠٣٥ ـ واصطليت الحروب في كلّ يوم |
|
باسل الشّرّ قمطرير الصّباح (٢) |
__________________
(١) في أ : فريدة.
(٢) ينظر الكشاف ٤ / ٦٦٩ ، والقرطبي ١٩ / ٩٠ ، والبحر ٨ / ٣٨٤ ، والدر المصون ٦ / ٤٤٢.